من الطريف والمفيد معاً ألا نزال نوازن بين الأدب لاختلاف ظروفهما يختلفان كثيراً وقلما يتفقان؛ والموازنة بين وجوه اختلافهما العديدة - ووجوه اتفاقهما إن كانت - تلقي ضوءاً على مختلف الظواهر في كليهما، وتبرز شتى الأسباب والمسببات في تاريخهما، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء
وأعني بالنزعة العملية في الأدبين اتصالهما بالحياة اليومية والاجتماعية والسياسية والوطنية ومساهمة أقطابهما في تلك الشؤون، والأدبان هنا أيضاً على طرفي نقيض: فالنزعة العملية تسود الأدب الانجليزي من أقدم أيامه، وهي باطراد عصراً بعد عصر، بينما هي تكاد تنعدم في الأدب العربي؛ وما كان منها في صدر تاريخه قد تضاءل بكر العصور
فالانجليز بطبيعتهم العملية لم يترددوا في زج الأدب في غمار الحياة الملية والاستعانة به في شؤونها، وأدباؤهم لم يحجموا عن الاخذ بحظهم من أشغال الدنيا ومخاطراتها، أما العرب فعلى عظيم منزلة الأدب لديهم وشدة احتفائهم به، كان أدبهم دائماً بواد والحياة العملية بواد؛ وكان فناً نظرياً محصناً من توفر عليه انقطع عن غيره وعاش في عالم من الحفظ والرواية والتاريخ والتصنيف
فكان من أدباء الانجليز من ضربوا بسهم الفن والعلم والدين والحرب والشف الجغرافي وكبار وظائف الدولة، وهم مع ذلك مؤلفاتهم الشعرية والنثرية المعبرة عن خوالجهم النفسية ونظراتهم في شؤون الحياة مستقلة تمام الاستقلال عن وظائفهم في الحياة العملية او متأثرة بها، ومن أولئك سبنسر وبيكون ورالي وبنيان وسدني سميث ودزرائيلي
ومنهم من شاركوا في التقلبات السياسية فكانوا دائماً في صف الحرية وفي جانب الشعب، ولم يستظل منهم إلا القليل بلواء الملكية ابتغاء السلامة والغنيمة. وممن ضربوا بسهم في هذا الباب توماس مو مؤلف (اليوتوبيا) الذي قطعت اليزابث يده لدفاعه عن حرية الشعب الدينية؛ ويقال إنه بعد قطع يده رفعها هاتفاً بحياة الملكة لأنه كان يحب ملكته الباسلة، ولكنه كان أكثر حباً للحرية والشعب. ومنهم ملتون الذي أيد الجمهورية في ظل كرومويل وعمى