[من مآسي الفيضان في العراق]
الفلاح المنكوب
للأستاذ أنور شاءول
أًرأَيْتَ الحَقْلَ يُصبي الناظرينْ؟ ... أسَمِعْت الطَّيرَ حولَ الجدوَل؟
ذَاكَ يُحيي السعدَ في القلبِ الحَزينْ ... وَهْي تشدو تَغماتِ الأَملِ
أَنَشِقتَ الزَّهرَ قد فاحَ شذاهْ ... يُتْرِعُ الأرواحَ طيباً مُلُهِماً
فَتُذِيع الرِّيحُ سِراً قد طَواهْ ... في حَناياهُ ولم تَفْتَحْ فَما
أَوَعَى الفكْرُ حدِيثاً قد رواهْ ... بُلْبلٌ حُرٌّ أطالَ النّغما؟
قِصّةُ الفَلاَّحِ رَمْزِ الْبَائسينْ ... قِصَّةٌ تَعْصُرُ دَمْعَ المُقَلِ
سوفَ يَبقى ذِكْرُها في كلَّ حينْ ... وَمكانٍ غَيْمَمةً لا تَنْجلِي!
قد سَقَى الزرعَ صباحاً ومساءْ ... تارةً ماَء وَطوْراً عَرَقا
رمزُهُ في السَّعْي جِدُّ وَعَنَاءْ ... مُنْذُ ما الشَمسُ تُحَيِّ المَشرِقا
أَسًيُولُ الْغَيْثِ أم نارُ ذُكاءْ ... داهَمتْهُ ليسَ يَخشى المُلْتَقَى
مُستعيناً بِبنَاتٍ وَبَنينْ ... وبِزَوْجٍ ذاتِ خُلْقٍ أمثلِ
أُسْرَةٌ تَحْياَ بِمَسفوحِ الجبينْ ... تَرْتَجي الخيرَ جَراَء العملِ
هُو ذَا الزرع، وما أَوْفَرَهُ! ... يَنبئُ الفَلاّحَ بالخيرِ العميمْ
إن تُجِلْ طَرْفاً فلَنْ تحصُرَهُ ... أيْنَ مَنْ يُمكِنُهُ حَصْرُ النجومْ
ناضر الخُضْرَةِ؛ ما أزهَرَهُ؛ ... يُطْرِقُ الرأْسَ إذا هَبَّ نسيمْ
فمتى تُصْبحُ يَا مَرْعَى العيونْ ... ذَهَبيَّ اللَّوْنِ زَاهِي المَخُملِ؟
وَمتى حَبُّكَ يُهْدِي الجائعينْ ... خُبْزَةً تُشْبعُ ذَا الجَوْفِ الخليِ؟
رَقَدَ الفَلاحُ مَقْرُورَ الفؤاد ... حالماً والسَّعدُ في أحلامِهِ
يُبصِرُ الآتيَ مُنْصاعَ القِيادْ ... وَيَرى الأيامَ من خُدَّامِهِ
لا عناءٌ، لا شَقاَءٌ، لا سُهاَدْ ... قلُبهُ حُرِّرَ مِنْ آلامِهِ
يَا لأبناء الرزايا البائسينْ ... يَا لَمخْدوعي الرُّؤى والأملِ
ما دَرَوْا أنَّ اللَّيالي في الكَمينْ ... سوفَ تُصْلِيهِمْ بِخَطْبٍ جَلَل