قضى آدم في صحبة حواء ساعات وهو ينتظر اليوم المشهود في ساحة العدل، وهي ساعات كانت أطول من الدهر وأثقل من الجبال
وزاد في كروب تلك الساعات أن آدم لم يكن في حقيقته إلا خلقة فطريةُ يعوزها الصقل والتهذيب، فكان يبدي ويعيد في حكاية شجرة التين، بعبارات محمَّلة بُعنجهية الملامة وقظاظة التريث؛ وكانت حوّاء تصبر على أذاه في حين وتثور في أحايين، وكذلك كانت تلك الساعات أعنف وأفظع من الحساب المرتقَب في ساحة العدل
- آدم، هل وصلت إليك الأنباء الأخيرة؟
- أيّ أنباء؟
- لقد اختصم الأسود والقرود
- ثم؟
- ثم اختصم الملائكة المقرَّبون
- وفيم يختصم أولئك وهؤلاء؟
- في أمرنا بعد العصيان
- وما قيمة ذلك؟
- لقد فهمت مما سمعت أن الرأي العام يعطف على قضيتنا كل العطف
- الرأي العام كله؟ كل سكان الجنة ينظرون إلى قضيتنا برفق؟
- ليسوا جميعاً سواءً، وإنما عطف علينا الأكابر من أولئك السكان
- والأصاغر؟
- هم دائماً أصاغر، ولا قيمة لضجيجهم الصخّاب
- ليس في هذا ما يزيل مخاوفي، يا حواء، فما خشيت يوماً أن يصيبني أذىً من أكابر الخلائق، ولا جاز في وهمي أن تَصدُر كلمة الإفك عن مخلوق جمّله الله بالقوة أو بالعقل، وإنما الخوف كل الخوف من الأصاغر، فهم الذين يذيعون الصحيح والعليل من أخبار السوء، وهم الذين يطمسون محاسن الأكابر بالإفك والإرجاف، ليقال إن الوجود ليس فيه