أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
وحصلت الفترة في هذه الطريقة، لا بل اندرست الطريقة بالحقيقة. مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء، وقلّ الشبان الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء. وزال الورع وطوى بساطه، واشتد الطمع وقوى رباطه، وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة، ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام، ودانوا بترك الاحترام وطرح الاحتشام، واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة، وركضوا في ميدان الغفلات، وركنوا إلى اتباع الشهوات، وقلة المبالاة بتعاطي المحظورات، والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان
ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال حتى أشاروا إلى أعلى الحقائق والأحوال، وادعوا أنهم تحدروا عن رق الأغلال، وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه وهم مُحْو، وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يؤدونه عتب ولا لوم، وأنهم كوشِفوا بأسرار الأحدية، واختُطِفوا عنهم بالكليّة، وزالت عنهم أحكام البشرية، وبقوا بعد غنائهم عنهم بأنوار الصمدية. الخ)
وقد حدثت بعد القشيري أحداث. ونجمت مذاهب ضج الناس منها، وضيع كثير من حقائق الطريقة وحفظت صورها، وخف على العامة وأشباههم أن يراءوا بأقوالهم الغريبة وأفعالهم العجيبة، إذ قصروا عن إدراك الدقائق؛ وعجزوا عن معرفة الحقائق
وفي الصوفية اليوم أهل الورع الصادقون الدائبون في رياضة النفس وتهذيبها وكبحها، وهداية الناس وتهذيبهم في غير عجب ورياء ولا جلبة وضوضاء. ومنهم الجاهلون الذين لا يعرفون من التصوف إلا الأصوات والحركات، والملابس والشارات. ليس لهذا الأمر إلا تحكيم الشرع، والاتفاق على فروضه وسننه وآدابه، وكلهم مسلمون راضون بحكم الشريعة جديرون أن يجتمعوا عليها، ويتآخوا فيها
وسأبين في المقال التالي التصوف الذي يلائم الإسلام والذي ندعو إليه في هذا العصر أن شاء الله