هبط كازانوفا لندن يبحث وراء طالعه، ويلتمس الوسائل لخوض مغامرات ومشاريع جديدة، ولكنه ما لبث أن شعر بأن المجتمع الإنكليزي الرصين لا يغزى بسهولة، وأن الأفق لا يتسع لمزاعمه المريبة، وأن محاولاته الغرامية تلقى مهادا صلبة؛ وشعر بالأخص بأن تلك الخلال والمؤثرات السحرية التي اجتذبت إليه من قبل عشرات الحسان لم يبق لها قوة إلى التأثير والأغراء. وهو يشير في مذكراته إلى ذلك الفشل في حزن ومرارة:(لقد سجلت هذا التاريخ - سبتمبر سنة ١٧٦٣ - باعتباره لعنة من لعنات حياتي، ولقد شعرت من بعده بأن تيار الكهولة يحملني مع أنني كنت في الثامنة والثلاثين). وهكذا اضطر كازانوفا بعد بضعة أشهر ارتكب خلالها كالعادة عدة محاولات وأعمال مريبة، أن يغادر لندن مثقلا بأعباء الخيبة والفشل
وأم كازانوفا برلين، واستطاع أن يقابل ملك بروسيا - فردريك الأكبر - ولكنه استقبله ببرود وتحفظ، ولم يظفر منه بطائل
عندئذ قصد إلى روسيا حيث تروج سوق المغامرة، وهنالك تعرف بالأمير كارل فون كورلاند، وهو أمير مرح فاسد السيرة ينغمس في مجالي اللهو والخلاعة، ويلتمس اكتساب المال بأي الوسائل، فتفاهما وتوثقت بينهما عرى الصداقة، واستطاع كازانوفا أن يجوز بواسطته إلى المجتمعات الرفيعة في ريغا وبطرسبرج وموسكو، وأن يستعيد فيها شطراً من حياة السرور والبهجة. ثم ذهب إلى بولونيا، وهنالك في وارسو خاض نفس الغمار المرحة المريبة معاً، ولفت إليه أنظار البلاط والسلطات بمشاريعه في عالم النساء والمقامرة، ومزاعمه في التأثير والشعوذة، واضطر غير بعيد إلى مغادرة وارسو؛ فتركها إلى فينا، ولكنه لم يستطع مكثاً بها، لأن عين الشرطة كانت ترقبه؛ فذهب إلى باريس كرة أخرى، ولكن العاصمة الفرنسية كانت تعرفه حق المعرفة، وترغب عن قبوله وإيوائه؛ فغادرها إلى