قرأ أديب مقالة داء الشعور بالحقارة فقال إن الصفات التي ذكرتها صفات شائعة في النفس الإنسانية. وكأنه بهذا القول يريد أن ينكر أن في النفس ما يصح أن يسمي داء الشعور بالحقارة فذكرت الأديب بأن صفات الخير والشر كلها موجودة في كل نفس، فلكل نفس منها نصيب قل أو كثر، ولكن هذه الحقيقة لا تمنع من تفاوت النفس تفاوتاً عظيماً حسب نصيبها من صفات الخير أو الشر. ولا نريد أن ننكر أن جرثومة الحقارة تلفي حتى في النفوس العظيمة؛ هذا أمر نريد أن نثبته وإلا ما استطاع القارئ أن يعترف بما ذكرناه في مقالتا من أن داء الشعور بالحقارة قد يصير وباء في بعض البيئات، وأن له عدوى كعدوى الأمراض الجثمانية؛ فلولا هذه الجرثومة التي تشترك فيها النفوس قاطبة ما استطاعت نفس أن تؤثر في نفس أخرى وأن تحملها على محاكاتها في الأفعال أو الأقوال الناشئة من شعورها بالحقارة
إن صفات الخير أو الشر شائعة في النفوس الإنسانية؛ وهذا سبب العدوى وسبب المحاكاة. ولكن شيوع صفة من الصفات في النفوس لا يجعلها مرضاً مزمناً، وإنما تصير تلك الصفة مرضاً إذا غلبت على النفس وصارت محور أعمالها وأقوالها وطغت على كل صفة أخرى أو حاولت هذا الطغيان وتملكت المشاعر. وفي هذه الحالة يكون الداء النفسي في اشد حالاته، ولكن له حالات أخف وأهون
وقد ذكرنا أن ذيوع داء الشعور بالحقارة يكون أعظم في الأمم التي ظلت مغلوبة على أمرها عصوراً طويلة، غلبة تشعرها الذلة والمسكنة سواء أكان الغالب قاهراً أتاها من الخارج أو حاكماً من أبنائها. وتظهر أعراض هذا الداء إذا قَلت تلك الغلبة أو زالت أسبابها وزادت الحرية، فتبرز وتعظم صفات القلق والألم والحقد والحسد خشية أن يفطن أحد إلى ما يشعر به صاحب داء الشعور بالحقارة في سريرة نفسه. وقد يكون شعوراً غامضاً لا يتبينه تماماً فيتعاظم تعاظماً لا اطمئنان فيه، لأنه تساوره الأحقاد والحسد فيتم تعاظمه عما يبطنه من الشعور وما يعالجه من داء الحقارة. وفي بعض النفوس يظهر الداء بمظهر التواضع وتحقير النفس تحقيراً يخالطه الحقد والحسد والقلق، فتنم هذه الصفات أيضاً عما