(إلى الصديق الكريم، والباحث المحقق، الدكتور محمد سامي الدهان، وفاء بما وعدته من الإفاضة في الحديث عن أولئك الأستاذة الأماثل الذين مهدوا الطريق أمام هذا الجيل. . .)
كانت منازال الكبراء والعظماء وأهل البيوتات لعهد أدركناه، منازل لأهل الفضل من العلماء والأدباء والشعراء، ومجامع للفحول في كل علم وفن، يلتقون فيها كل ليلة أو كل أسبوع، فيتباحثون ويتجادلون، ويسمرون، ويضحكون، ويذهبون في فنون القول مذاهب، فما شئت من حقيقة علمية خافية، أو أدبية رائعة، أو فكاهة حلوة تروى وتحفظ.
وكان الكبراء والعظماء وأهل البيوتات لعهد أدركناه، والعراقة، فكانوا يفسحون لهم في جانبهم وفي منازلهم، ويبذلون لهم من جاههم ومالهم ما وسعتهم القدرة على ذلك، فكانت هذه المجالس هي مجالي التفكير العلمي والأدبي والتدبير السياسي والاجتماعي وليس من شك في أن هذه المجالس قد أثرت في حياتنا الفكرية أكثر مما أثرت (الصالونات الأدبية) في الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر، ولكنها من الأسف لم نجد المؤرخ الذي يدون أخبارها، وبذكر آثارها. .
كانت في دار الأميرة نازلي هانم فاضل ندوة، وفي دار آل البكري ندوة، وفي دار سليمان أباظة باشا ندوة، وفي دار الإمام محمد عبده بعين شمس ندوة، وفي دار آل عبد الرزاق ندوة، وفي دار آل القاياتي ندوة، ولا تزال منها بقية باقية. . . وكان من أحفل هذه الندوات وأعمرها ندوة أحمد تيمور في درب سعادة حيث كانت دار آل تيمور الفسيحة الجنبات المتفتحة الأبواب. . .
ولقد رأيت فيما قدمنا لك أن والد أحمد تيمور باشا قد عكف في آخر حياته على جمع الكتب ومجالسة أهل العلم والأدب في داره، فلما شب الابن جرى على سنة ابيه في هذا، وكانت له به قدوة، ففتح داره لشيوخ العصر وأعلام اللغة والأدب وكل من يمت إلى هذه بسبب،