فكان يجتمع في هذه الدار الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده والشيخ محمد بن محمود الشنقيطي والشيخ حسن الطويل والشيخ أحمد أبو خطوة والشيخ طاهر الجزائري والسيد محمد الببلاوي والشيخ محمد شاكر والشيخ حسن منصور والشيخ أحمد مفتاح ويحيى أفندي الأفغاني وحمد أفندي أكمل والشيخ أحمد أبو الفرج الدمنهوري، والشيخ عبد الرحمن الكواكبي والسيد عبد المحسن الكاظمي ورفيق بك العظم، والسيد محمد رشيد رضا، ثم كان بعد هؤلاء رعيل آخر من أعلام الأدب واللغة ورجال القلم والصحافة والمستشرفين الذين كانو يتوافدون على مصر للدراسة والتحقيق العلمي والبحث عن المخطوطات النادرة، فكانت ندوة أشبه بجامعة علمية تمت لها كل فروع المعرفة ووسائل الدراسة العلمية والأدبية وامتازت بالتخلص من قيود النظم والقوانين. . .
في هذه الندوة تخرج أحمد تيمور، ودرس وحصل وأفاد، واستطاع أن يقرأ جميع ما جمع من أمهات الكتب ونوادر المخطوطات وأن يعلق عليها التعليقات المفيدة، فبعد أن كان يجلس في هذه الندوة مجلس التلميذ المستفيد أصبح يجلس مجلس الأستاذ المفيد، وأصبح أهل العلم يتوافدون عليه للأخذ عنه والإفادة منه ويرجعون إليه فيما يريدون من تحقيق أدبي أو تعليق لغوي.
لم يدون أحد ما كان يجري في هذه الندوة من المطارحات والمناقشات، ولو جمع هذا التحصل منه علم كثير وأدب كبير، ولكنا نجد تيمور باشا يشير إلى ذلك إشارات عابرة مقتضية فيما كتبه في تراجم أعيان القرن الثالث عشر الهجري، فيقول في ترجمة الشيخ أحمد مفتاح:(ولما انتقل إلى مدارس الأقليم صار يحضر إلى القاهرة في فترات فينزل عندنا، ويجتمع به إخوانه وأصدقاؤه في ليال كنا نحييها بالمطارحات الأدبية وإنشاد الأشعار).
ويقول في ترجمة أستاذه الشيخ حسن الطويل: (ومن غريب المصادفات أنه زارني قبل وفاته بيومين في ليلة مقمرة، فجلسنا في صحن الدار نلعب الشطرنج، وكان مولعا به مع قلة إجادته فيه، فقال لي عندما أراد الذهاب: نحن الآن في الامتحانا وقد قربت الإجازة، وصدري ضيق في هذه الأيام من الناس، ونفسي تجنح للعزلة، فهل تعرف لي مكانا أقضي فيه بعض أيام بعيدا عنهم؟ فقلت: يا سيدي. إذا انتهى الامتحان فالأوفق أن نسافر معا إلى