للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صوت من الريف المريض:]

وباء الكوليرا

للشيخ محمد رجب البيومي

(كانت الكفر الجديد من قرى الدقهلية الحزينة التي داهمها الوباء فقد ثكلت مائة نفس في أسبوع واحد، وهي لا تزيد عن ثلاثة آلاف، وقد شاهدت محنتها القاسية، فكان الصراخ الفاجع يشرد نومي، وقد كنت أتحدث مع الرجل ثم يجيئني نعيه بعد ساعة واحدة من حديثه، وما زلنا ننتظر رحمة السماء).

شبت تحت الضلوع يعصف بالجسم ... كما يعصف اللظى بالهشيم

ذعر الناس فاستهلت دموع ... كانهمار الغيوث تحت الغيوم

وأفاق الشعب الجريح كما استيقظ ... جفن على صراخ أليم

زأر الرعب في القلوب فجاش الحز - ن يغلي بها كغلي الحميم

الصبور الشجاع غير صبور ... والحليم الرزين غير حليم

جزعت أنفس وطارت عقول ... قد دهاها الردى بخطب جسيم

سلمت أمرها إلى الله لكن ... هل يرد القضاء بالتسليم

خطر هب يمحق الناس محقا ... كرجوم تهوى وراء رجوم

كلما قد قرأت عنه حديثاً ... شب في أضلعي لهيب الجحيم

قيل لي أنت خالك فتطعم ... أي خير يكون في تطعيمي

أنا أمشي وبين طيات قلبي ... خيفة منه رعدة المحموم

ينفث السم كالأفاعي مجداً ... ويبيد الجسوم تلو الجسوم

الشديد القوي صريع لديه ... والسليم الصحيح غير سليم

جثث ترتمي كساحة حرب ... أسفرت عن فناء جيش عظيم

جنت الأرض فهي تغفر فاها ... طمعاً في ابتلاع عظم رميم

أكلت أهلها ولم تبق شيئاً ... ما صنيعي في الآكل المنهوم؟

طفت بالريف اجتليه صباحاً ... وهو دنيا لذاذتي ونعيمي

كان يبدو لناظري وسيماً ... كيف أضحى الغداة غير وسيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>