لا الأزاهير ذات عرف شذى ... لا النواعير ذات صوت رخيم
لا الغواني الصباح يخطرن في الس - هل ولا الطير بارع الترنيم
إنظر الحقل فالطبيعة فيه ... كبنى الإنس أسرفت في الوجوم
هي والله ذات فكر حصيف ... قد هداها فشاركت في الهموم
النخيل الوفي يخفض عطفيه ... كئيباً كبائس محروم
وعلى القطن غبرة سودته ... بعد ما لاح ساطعاً النجوم
والغراب العجيب يرسل نحوي ... نظرات كالفيلسوف الحكيم
خطر هدد الجميع فكل ... صارخ من مصيره المحتوم
إن دها منزلا رأيت ذويه ... بين فانٍ يمضي وحي سقيم
يهجر الوالد ابنه ثم يعدو ... خيفة من أذاه عدو الظليم
وحنان الأم الرءوم توارى ... فهي عند المصاب غير رءوم
ترك الزوج زوجه تتلظى ... في جحيم يفوق كل جحيم
فر منها وكان يخشى عليها ... قبل هذا الوباء مر النسيم
فادخل البيت لست تبصر فيه ... غير أم ثكلى وطفل يتيم
فتح القبر فاطمأنت جنوب ... غرقت في سكونها المستديم
مرض يملأ الخواطر بالوهم ... فيالي من خاطري الموهوم
أنا منه مكبل بقيود ... قذفت بي إلى عذاب أليم
حرموا الماء الفواكه ظلماً ... من مجيري من ذلك التحريم
قيل لي إن في المياه سموماً ... فكرهت المياه ذات السموم
وكذاك الفواكه الحلوة الطعم ... مجال لكل داء وخيم
عجباً أبغض الرحيق المصفى ... وأعاف الجنان ذات الكروم
قيل لي لا تسر جوار صديق ... واعتزل في الأنام كل نديم
أحذر العدوى أن تصيبك من ... خل وفيّ أو من عدو خصيم
فاجتنبت الورى وعشت وحيداً ... وتوغلت في ضلالي القديم
ليت شعري من أصطفيه لنفسي ... إن تخوفت من صديقي الحميم