كان المجلس مرصعاً بكواكب لامعة من الأدباء والأديبات، فدار الحديث حول مبالغة بعض الناس في كتمان سنهم، وأن أديباً كبيراً قضى نحبه ولم يعرف سنه أحد! حتى كأنها من مفاتح الغيب التي استأثر الله بعلمها! وهنا انبرت أديبة نابهة فقالت:
الناس جميعاً في ذلك سواء بدليل أن الأستاذ - وأشارت إلى - لا تسعفه شجاعته بإخبارنا عن سنّه! فدارت بي الأرض الفضاء، وأطرقت قليلاً أزور في نفسي كلاماً، فلحظت الشيطانة ذلك، وعلمت أن وراء الإطراق ما وراءه! فاستدركت قائلة: على شرط أن يقول الصدق كل الصدق، لا شيء غير الصدق!
ويحك أيتها الإنسانة! إن الصدق ليكون أحياناً معجزة للمرء كما يقول بعض السلف رحمه الله!
ومع أني لم أتجاوز دائرة الشباب، وهي دائرة (مرنة) والحمد لله! ومع أني لا أستجيز الكذب إلا في الشعر، فقد أحسست ميلاً شديداً إليه! وخيل إلى أنه لا بأس في هذا المقام أن أطرح من عمري بضع سنوات! ولكني عدت فتذممت من ذلك، ووجدت عنه مندوحة في قولي:
أعلم أني ولدت في أيام حرب من الحروب المشهورة، فقال أديب: لعلها حرب البسوس! وقال آخر: لعلها حرب الردة! فقالت الأديبة: هذا تحامل شديد! أظنها: حرب (المائة عام)! فقلت: ولم لا تكون حرب (الوردتين)! فضحكوا وضحكن! وانفسح المجال للمفاكهة البريئة، فتنوسي السؤال، وكفى الله المؤمنين القتال!
وحينما كنت مدرساً بالتجارة، جاءتنا من الوزارة (نشرة) تطلب فيها من المدرسين أن يخبروها بأسمائهم وعناوينهم وشهاداتهم ومرتباتهم وأسنانهم، والخطب فيما عدا السن يسير، ولكن من الذي يستطيع أن يدون أسمه على مرأى ومسمع من زملائه؟! أشهد لو أن الوزارة ضاعفت لهم الحصص، أو قطعت عنهم المرتبات ما ثاروا عليها هذه الثورة! وطال تردد المسألة بين الناظر والمدرسين على غير طائل حتى كادت تحدث الجفوة، وأخيراً فطن الناظر لما كان يجب أن يفطن له أولاً، فاستدعاهم إلى مكتبه، وقال - وهو