ذكرنا في الكلمة الأولى أن دانتي في كوميدياه كان مقلداً لسلفه الشاعر الروماني العظيم فرجيل، وأنه كان يحفظ الجزء السادس من ملحمة الأنييد عن ظهر قلب، وأنه احتذى في قصيدته مثال فرجيل، والآن نعطي القارئ ملخصاً سريعاً لهذا الجزء السادس ليرى أننا لن نكن مغالين حين جزمنا أنه لم يقلد أبا العلاء ولا أسطورة المعراج التي سنعرض لها في كلمة مستقلة.
بيد أننا نرى أن إعطاء القارئ ملخصاً موجزاً للجزء السادس من الأنييد دون أن نعرض للأجزاء الخمسة السابقة سيشوه هذا الملخص ويجعله مبتوراً، وقد يذهب بجمال الأنييد التي تعتبر أطيب طرفة في الأدب اللاتيني كله، لذلك آثرنا أن نعرض للأجزاء الخمسة الأولى في كلمة خاطفة نخلص منها إلى الجزء السادس إتماماً للفائدة.
سقطت طروادة، وأضرم الإغريق النيران فيها وروِّع الأهلون ولاذوا بالبراري والقفار المحيطة بمدينتهم، وذهب البطل إينياس يبحث عن أبيه وزوجه وولده ليفر بهم من هذا البلد، ولينجو بعزه التالد ومجده المؤثل من ذل الأسار، ولكن أباه كان رجلاً شيخاً خائر القوة، فاحتمله إينياس وانطلق يعدو به في شوارع المدينة المتأججة، حتى إذا وصل إلى شاطئ الهلسبنت (الدردنيل) افتقد زوجه فلم يجدها، ووجد عنده طرواديين كثيرين يعتزمون الهرب من وجوه الهيلانيين فجعلوه رئيسهم وعملوا في بناء أسطول ضخم أبحروا فيه إلى تراقيا حيث نزلوا إلى البر وأخذوا في تأسيس طروادة جديدة بدل طروادة الأسيوية، لولا أن أوحي إليهم أن هذه أرض ملعونة، فركبوا في سفنهم وأبحروا إلى جزيرة ديلوس حيث سمعوا صوت أبوللو يأمرهم (أن يهجروا الجزيرة ويبحثوا عن أرض أمهم الأولى حيث يعيش شعب إينياس ويحكم وتدين له كل الأمم)، ولشد ما طرب الطرواديون لهذا النبأ وأبحروا إلى كريد (إقريطش) كما خمن لهم والد إينياس، ولكنهم لم يجدوا ثمة خيراً بل