هذا هو نشيد القوم وحداؤهم، ولكنه ليس هتافا تردده الألسنة والحناجر، وتقعد عن تحقيقه الهمم والعزائم، وإنما هو دينهم الذي ارتضوه، ومذهبهم الذي اعتنقوه، يقدمون أرواحهم فداء له، ويستعذبون الردى في سبيله، ولا عجب فإنهم يقولون (إذا ذهبنا فإنجلترا باقية
وبريطانيا التي أحدثك اليوم عنها أيها الصديق الكريم هي سيدة البحار، وحاملة لواء الاستعمار، زعيمة الديمقراطية، و (دينامو) السياسة الدولية، وهي تجثم على صدر العالم وتتحكم فيه، ولعلك تلمس في جميع المشاكل القائمة الأصابع البريطانية
ومن واجبنا نحن الشرقيين أن نعرف مواطن الضعف في أنفسنا فنعمل على إزالتها، يدفعنا إلى ذلك عاملان: أولهما حبنا لأوطاننا ولحرياتنا، ونحن إذ نفعل ذلك لا نبغي إثما ولا عدوانا؛ وإنما نريد أن نعيش أحرارا كراما. . وثانيهما أن ديننا يأمرنا بذلك، فهو يطلب إلينا أن نكون أعزة في بلادنا، وقد وعد الله المجاهدين منا إحدى الحسنيين، فإما نصر في الدنيا وعزة وكرامة، وإما استشهاد وقد كرم الله الشهداء حيث قال (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ووعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار. . لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما
وعندي أنه لكي تحقق الأمة آمالها وأهدافها لا بد لها من أمرين: أولهما إيمانها بقضيتها، ذلك أنه لا انتصار لأمة لا تؤمن بحقوقها ويختلف أفرادها في حقيقة مطالبها، فإن هذا الخلاف يستغله الغاضب الأجنبي لإيقاع الفرقة في صفوف أبنائها مما يؤدي إلى انحلالها، وهذه السياسة هي ما اتفق على تسميته بسياسة (فرق تسد)
والأمر الثاني أن تعمل الأمة على إعداد أفراد شعبها من الناحيتين الروحية والعسكرية: فالجندي الذي لا يؤمن بالقضية التي يحارب من أجلها يكون قلبه هواء؛ وسرعان ما يولي الأدبار حين ينزل في ساحة الوغى والقتال. وكذلك ليس من العدل أن نرسل الأفراد العزل، إلى ميادين النزال حيث تلتهمهم المدافع والقنابل
إذا تحقق هذان الأمران، وعرف كل فرد من أفراد الأمة قضية بلاده وحقوقه المهضومة،