للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفن والطبيعة]

بقلم نظمي خليل

. . ونعني بالطبيعة العالم المرئي الذي يقع تحت بصرنا، ولسنا نبغي من وراء تعريفنا للطبيعة تحديدها أو تبسيطها، ولكنا نريد أن نعرف هل هناك تباين بين العالم المرئي وبين الفنان، وهل هناك اختلاف جوهري بين جمال العالم المرئي، وذلك الجمال الذي نراه ونحس به عندما ننظر إلى لوحة مصور أو تمثال مثال؟

إذا أجبنا عن هذا السؤال بالإيجاب، وهو الحق والصواب كما اعتقد - رأينا أنفسنا مضطرين إلى أن نشرح وظيفة الفنان الذي يقف بيننا وبين الطبيعة. . فلو وقف الفن عند سرد مناظر الطبيعة، أو اقتصر على التقاط مناظرها وصرها كما هي، لرأينا آلة التصوير تسرع إلى انتزاع مكانة التصوير. ولكن الحقيقة أن الفن ليس تمثيلا للطبيعة، ولكنه تفسير لها. ولسنا نغالي إذا قلنا إن الفن يبتدئ حيث يترك الفنان صحبته القوية للطبيعة، بعد أن يشيع في جوها أنغاما من عمله الخاص تبعا لشعوره الشخصي وذوقه الموسيقي. فالطبيعة معين لن ينضب للفن، - وهي اليوم - كما كانت، وكما ستبقى أبدا - أكبر موح له بروائع الحسن والجمال. ولكن القوانين التي تتحكم في عمل الفن منفصلة تماما عن قوانين الطبيعة. فإذا كانت النغمة التوافقية في موسيقى الرعاة عملا فنيا جليلا، فذاك لأن بيتهوفن لم يحاك نغمات الطبيعة تبعا لشروط الموسيقى وقوانينها، وأفصح عن تلك العواطف الخاصة التي أثارتها فيه صحبته القوية للطبيعة في أنغام سامية، كانت من وحيه وإلهامه، ثم وجهت في هذا الطريق الموسيقى بواسطة المهارة الفنية التي هي أصيلة في كل عمل فني. . .

يقول بعض الناس عن مهمة الفن في ذا العالم هي أن يكمل ما في الطبيعة من نقص. وقد يفهم البعض منهم أن الفن يأتي بأشياء ليست في الطبيعة، أي أنه يزيد في مواد الطبيعة الأساسية. ولكن هذا الفهم خطأ، وهذا الظن إثم وجور على الطبيعة. فليس لدى الفن ما يجود به على الطبيعة من روائع المناظر وعجائب الآثار. . وليس لدى الفنان شيء جديد. ولكن لديه شيئا واحدا، وهو الذي يخدع هؤلاء البسطاء، فيتوهمونه زيادة أو جديدا، هذا الشيء الذي يبدو جديدا هو الحصر أو التحديد لمناظر الطبيعة ومظاهرها. فقد يرى إنسان

<<  <  ج:
ص:  >  >>