للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

شهيد القرية

لأستاذ مصطفى أحمد فوده

(قصة شابين وفتاة: أحدهما أراد أبوه أن يزوجه منها، لتكون أمها زوجاً له، وأحبت هي الأخر وأحبها، وأرادت أن تزف إليه عروساً، فدبرت معه مكيدة تم لهما بها ما أراد).

لم يكن الحزن يعرف سبيله إلى قلب هذه آلام، ولم تكن هي الأخرى تقدر أنه سيعرف سبيله إلى قلبها في يوم من الأيام. ولكن المقادير لا تجرى كما نريد، بل كما تريد هي؛ والحزن لم يكتب على قلوب دون سواها، وإنما هو بلاء يصيب القلوب جميعاً، لا فرق بين قلب وقلب، إلا في نصيب أحدهما منه، فقد يقسو الحسن فلا يعرف رافة ولا رحمة، إلا في نصيب أحدهما منه؛ فقد يقسو الحسن فلا يعرف رأفة ولا رحمة، وقد يترفق فيمس القلوب مساً هينا رفيقاً، ولا فرق في ذلك كذلك بين قلب وقلب إلا في الزمن الذي يصيب فيه الحزن أحدهما؛ فقد يتعجل به ويعرف سبيله إليه في شرخ شبابه، وقد يتأنى فلا يطرقه إلا في سن الشيخوخة، وقد يقيم فيه لا يفارقه بينهما عهداً لا يريد الحزن أن ينقضه.

ذاقت هذه ألام مرارة الحزن، وعرفت تباريح الأسى حين وقفت إلى جوار وحيدها إبراهيم وهو يفارقها لا إلى عمله كما هي عادته عند كل صبا ولكن إلى إلقاء ربه؛ وكأن الموت حينذاك قد أراد أن يكون رفيقاً بالفتى، فلم يمهله طويلاً يتلوى على سريره حينا، ويغادره حينا آخر ليستلقي على الأرض، ثم يتركها يطمئن إلى صدر أمه، وليحتويه ذراعاها، حتى يفارق الحياة أو تفارقه الحياة. وكأن الحزن قد أراد أن يكون قاسياً بالغ القسوة حين أبى إلا أن يستقر في قلب آلام، حتى أنست إليه أخيرا، وأصبحت تجد فيه عزاءها وسلواها.

كان (إبراهيم) فتى من فتيان هذه القرية التي تقع غير بعيدة من ترعة صغيرة تجري في شرقيها، والتي يعمل أبوه (شيخاً لحفرائها) وكان هذا الفتى يحمل بين جنبيه قلباً كريماً لم يكن ليحمله إلا اطهر الناس نفساً، وأتفاهم سريره، وأخلصهم لحقوق ربه، وحقوق غيره وحقوق نفسه. ولم يكن كغيره من شباب القرية الذين يوزعون وقتهم بين عمل ضيئل وعبث كثير؛ وإنما كان يقضى نهاره في عمل يضنيه، ويتفق ساعة أو بعض ساعة من ليله في السمر مع أمه، ثم ينهض إلى فراشه لينام نوعاً عميقاً يكسبه عزقاً وقوة، حتى إذا كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>