سارت الرسالة في عددها التاسع والخمسين، بكلمة ناقدة للأستاذ عبد الوهاب عزام، عن كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدنى) للرحالة محمد ثابت، وقد عناني من هذه الكلمة تفضيع الأستاذ عزام خطأ الرحالة في قوله عن شيعة إيران: إنهم يفضلون مشهداً على مكة فنشطت لكتابة هذه الكلمة لا إنصافاً للناقد والمنقود، فهذا شيء قد يكون عند غيري حسابه، إنما عنيت بذلك لثلاث: إحداهن حب الحقيقة، وإنها لحقيقة أن تبتغى لذاتها، ويجمل إلى الناس تصحيح وخالفها تطوعاً. وثانيتهن: أن في هذا الحديث عن تفضيل الشيعة مشهداً على مكة مثلاً شيقاً طريفاً للباحث النفسي عن فرق ما بين العقيدة والفكرة، وصلة ما بين العقل بمنطقه، والاعتقاد بسلطانه. كما أن أمثال هذه الحقائق النفسية هي الأصول القوية لتفسير التأريخ تفسيراً صحيحاً صادقاً. والثالثة: أننا حين نعمل جادين، وندعو محبين الوحدة الإسلامية، وتقريب ما بين الشعوب الإسلامية على تنائي ديارها، واختلاف أنظارها، يجب أن نعرف الحقائق على ما قد يكون بها من قسوة أو شدة، إذ لا غناء في إنكارها، ولا خير لنا في تناسيها أو نسيانها.
قال الأستاذ الناقد (وأفظع من هذا كله قوله عن إخواننا شيعة إيران، إنهم يفضلون مشهداً على مكة، وكيف يعقل أن أمة مسلمة شديدة الغيرة على دينها تعتقد أن الحج إلى مكة فرض، وقاعدة من قواعد الإسلام، كيف يعقل أن هذه الأمة ترى زيارة مشهد افضل من الحج إلى مكة؟. ربما بالغ عامة الإيرانيين في تعظيم مشهد وغيرها من المزارات الشريفة، كما يبالغ عامة المصريين في تعظيم مسجد سيدنا الحسين، والسيدة زينب، والسيد البدوي، وإبراهيم الدسوقي: ولكن عمل العامة لا تفسر به عقائد الأمة. وهذه كتب الشيعة بين أيدينا تنطق بخلاف ما زعم الكاتب)(ص١٣٩٩ عدد ٥٩ من الرسالة).
والأستاذ عزام خير من يعرف أن القياس قليل الجدوى وضائع الأثر في مثل هذا المقام. فما لا يعقل وما يعقل قد يُعتقد ويهرب معتقده من الحوار فيه أو الجدال حوله، بل يهرب من طلب النفس تفسيره؛ على أن الأستاذ لو أنصف لذكر من كتب الشيعة التي بين أيدينا