للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رائحاً في زهو وإعجاب، ويمني نفسه بأن يكون ضابطاً يصدر أوامره فيتلقاها مرءوسوه بالإذعان والخضوع، ولم يطل بفتانا الانتظار بل عول على نفسه في تحقيق غايته. فلجأ إلى ضابط متقاعد من معارف أبيه، ورجاه أن يكون ولي أمره لدى المدرسة المذكورة. ثم تقد م للامتحان فجازه، والتحق بها دون أن تعلم أمه من الأمر شيئاً، وهكذا أرادت الأم شيئاً وأراد الله شيئاً آخر، فكانت إرادته جلت قدرته أرحم بالفتى وبأمته من الأم الورعة الزاهدة، وفي المدرسة وجد الفرصة التي هيأتها له الأقدار في عالمها المحجوب، فبرزت مواهبه رائعة في الرياضة وسائر العلوم الحربية، أما خلقه فظل كما هو، بل زاد مزاجه حدة وطبعه تمرداً، يثور لأقل نقد يوجه إليه، أو لوم يلقى عليه، وكان يحب دائماً أن يكون قبلة الأنظار ومدار الحديث، ولم يكن أبغض إليه من أن يرى نفسه خاملاً ذاهباً في غمرة الإهمال، إذ كان شديد الشعور بشخصيته، قوي الإحساس بارتفاعها عن أقرانه، حتى كان يرد من حاول الاتصال به منهم قائلاً (أنا لا أريد أن أكون واحداً من أمثالكم) ويمضي في سبيله قدماً لا يلوي على شيء، كذلك كان لرغبته الملحة في التفوق والتبريز، شديد الحسد لكل من بذه منهم، ولعلك تعجب حين تعلم أن هذا الفتى الجافي الخلق الفظ الطباع يلعب الغرام برأسه، فيرى دائماً يخطر في أبهى ملابسه وأزهاها، مداعباً للفتيات مغازلاً لهن، محاولاً الاستيلاء على قلوبهن، ولكن لم العجب؟ أو ليست هي الطبيعة تأبى إلا أن تبرز العظيم في جميع أدوار حياته نمطاً شاذاً؟

ومهما يكن من أمر فتانا فقد نبغ نبوغاً لفت نظر أحد أساتذته وأسمه مصطفى، فأختاره مشرفاً على إحدى الفرق الصغرى ووكل إليه إلقاء بعض الدروس، ولتشابه الاسمين ميز الأستاذ تلميذه بإضافة اسم كمال، فأصبح يعرف منذ ذلك الحين باسم مصطفى كمال، وقد تخرج في المدرسة في سن السابعة عشرة. ثم أرسل إلى المدرسة الحربية العليا بموناستير

(يتبع)

حنفي غالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>