أما البقية من هذه الآراء التي تلقيتها فكل أصحابها متوافقون على مثل الرأي الواحد من وجوب إمساك الزوجة والإقبال عليها، وإرسال (تلك) والانصراف عنها، وأن يكون للرجل في ذلك عزم لا يتقلقل ومضاء لا ينثني، وأن يصبر للنفرة حتى يستأنس منها فأنها ستتحول، ويجعل الأناة بازاء الضجر فإنها تصلحه، والمروءة بازاء الكره فإنها تحمله، وليترك الأيام تعمل عملها فانه الآن يعترض هذا العمل ويعطله، وإن الأيام إذا عملت فستغير وتبدل، ولا يستقل القليل تكون الأيام معه ولا يستكثر الكثير تكون الأيام عليه.
والعديد الأكبر ممن كتبوا إلى يحفظون على صاحب المشكلة ذلك البيان الذي وضعناه على لسانه في المقال الأول ويحاسبونه به ويقيمون منه الحجة عليه، ويقولون له أنت اعترفت، وأنت أنكرت، وأنت رددت على نفسك، وأنت نصبت الميزان فكيف لا تقبل الوزن به؟ وقد غفلوا عن أن المقال من كلامنا نحن وأن ذلك أسلوب من القول أدرناه ونحلناه ذلك الشاب ليكون فيه الاعتراض وجوابه، والخطأ والرد عليه، ولنظهر به الرجل كالأبله في حيرته ومشكلته تنفير الغيرة عن مثل موقفه ثم لنحرك به العلل الباطنة في نفسه هو فنصرفه عن الهوى شيئاً فشيئاً إلى الرأي شيئاً فشيئاً، حتى إذا قرأ قصة نفسه قرأها بتعبير من قلبه وتعبير آخر من العقل، وتلمح ما خفي عليه فيما ظهر له، واهتدى من التقييد إلى سبيل الإطلاق، وعرف كيف يخلص بين الواجب والحب اللذين اختلطا عليه وامتزجا له امتزاج الماء والخمر. وبذلك الأسلوب جاءت المشكلة معقدة منحلة في لسان صاحبها، وبقى أن يدفع صاحبها بكلام آخر إلى موضع الرأي.
وكثير من الكتاب لم يزيدوا على أن نبهوا الرجل إلى حق زوجته ثم يدعون الله أن يرزقه عقلاً. . . وقد أصاب هؤلاء أحسن التوفيق فينا ألهموا من هذه الدعوة، فإنما جاءت المشكلة من أن الرجل قد فقد التمييز وجن بجنونين: أحدهما في الداخل من عقله والثاني في الخارج منه، فأصبح لا يبالي الإثم والبغض عند زوجته إذا هو أصاب الحظوة والسرور عند الأخرى؛ فتعدى طوره مع المرأتين جميعاً، وظلم الزوجة بأن استلب حقها فيه، وظلم الأخرى بأن زادها ذلك الحق فجعلها كالسارقة والمعتدية