يا ليلة السفح هلا عدت ثانية ... سقى زمانك هطال من الديم
لم أفض منك لبانات ظفرت بها ... فهل لي اليوم إلا زفرة الندم؟
(الشريف)
يا ليلة ما كان أجملها وأقصرها. . . وذلك تكون ليالي الأنس فاتنات قصيرات العمار!
يا ليلة ستمر الليالي ولا تمحو من نفسي ذكراها ولا أستطيع أن أنساها. . .
يا ليلة. . . سكرت فيها بلا كأس ولا قدح. . . لقد علمتني السكر فسأسكر الليالي الآتيات بذكراك. . . ولكن ثمالة السرور لا يكون فيها إلا رحيق الألم. . .
صدق دانتي: إن ذكرى اللذائذ الماضية تؤلمنا!
تلك هي ليلتنا على سفح قاسيون، في قهوة (حسن آغا) نظم فيها قلادة الأصحاب والأحباب، شفاءُ الطفل المحبوب (إبراهيم الرواف) فأجتمع الشمل وتم الأنس وألفت الحلقة بين العلم والأدب والشعر والفن والنكتة والغناء، وجمعت القهوة بين العراق والشام، ودمشق وبيروت، فكان في المجلس كرام أهل كل بلد وكبار أهل كل فن. . . وشاركت الطبيعة الناس في فرحة الشفاء فتزينت بحلة الأصيل المنسوجة بخيوط الذهب، وماست أشجار الغوطة دلالاً، وهمست الأوراق بترتيلة المساء، وكان المشهد لا يفيد فيه الوصف، لأن مثله لا يرى إلا في دمشق أو في جنان الخلد، ودمشق جنة المستعجل. . .
وتحدث الأستاذ البيطار، وتطارح الأستاذان الأثري والتنوخي الأشعار، ثم تسلم المجلس الأستاذ سعدي ياسين خطيب بيروت فلم يبق لأحد مجال لمقال، وطفق يلقي النكتة إثر النكتة والنادرة تلو النادرة، ونحن نمسك بخواصرنا، ونضرب من الضحك بأرجلنا ونمسح دموعنا، وهو لا يكف ولا يقف، ففكرت كم يضيع بيننا من الآداب التي لو دوناها كما دون المتقدمون لكانت لنا ثروة هائلة. وحسبك من هولها أن ما رواه صاحبنا تلك الليلة وارتجله يملأ كتاباً كبيراً. . . حتى إذا انطفأ مصباح الكون، ولبثت عروس الطبيعة ثوبها الأسود، ووجب حق الله علينا، قمنا إلى الصلاة، فأذن مؤذن منا، فلم نفرغ من الصلاة حتى أذن