للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الذكرى الأولى:]

شكيب الشاعر

للشيخ محمد رجب البيومي

- ١ -

(لو لم يكن شكيب كاتباً فريداً لكان شاعراً مجيداً؛ فهما كفتان كلما رجحت الواحدة شالت الأخرى)

المنفلوطي

مات أمير البيان.

منذ عام كامل خرجت الصحف على قرائها بهذا النبأ الفاجع فأشعلت القلوب حسرة، وأرمضت الجوانح لوعة، ولقد سقطت من عيني عبرات محرقة، كأني أطالع نعي صديق حبيب، تصلني به وشائج القرابة والصحبة ولا عجب في ذلك، فقد تتلمذت سنوات عديدة على أمير البيان، أدرس كتبه فأستفيد، وأحفظ قصائده فأنتفع، كما أنظر إلى مواقفه الرائعة في نصرة القضايا العربية، فأتمنى أن يوجد بين زعماء الشرق من يقتفي أثره؛ وينسج على منواله في التضحية والفداء.

ولقد شعرت بحنين رائد ينازعني إلى الكتابة عنه، فكنت أسائل نفسي ما عسى أن أقول في هذا الرجل، وقد كان أمة وحده تسعى وراء العظائم، وتضطلع بما تنوء به شم الفيالق، وهو فوق ذلك بحاثة قدير تسير مؤلفاته مسير الشمس في الكون، وناثر موهوب تتزاحم عليه المعاني الفائقة فيختار منها كل جميل فائق، وشاعر مطبوع تتطامن له رقاب القوافي، ويسلسل لديه كل أبي جموح.

غير أن الذين تكلموا عنه طيلة العام الفائت لم يتعرضوا إلى شعره الرائع بما ينبغي أن يلم به كل متحدث عن الأمير، وكأني بجهاده السياسي، ونثره العلمي، قد طغيا على ما تغنى به رحمة الله من فاتن النظم، وبارع القصيد، لذلك رأيت أن أتحدث عن فنه الرفيع ليعلم من يتشدقون اليوم بالهراء الغث كيف يكون القريض العربي في ديباجته المشرقة، وعاطفته الجياشة، وليدرك القارئ هذا الفرق الواضح بين من يحافظ على عربيته الخالصة، ولهجته

<<  <  ج:
ص:  >  >>