أسمعه - كيف بلغت أعصابه من الحدة مبلغاً لا يمكن للإنسان أن يصل إليه، ولكن لم يطل فقد وافته برقية قرأها فاستجمع في ذهنه مظاهر الحزن التي يقرأ عنها ثم ألصقها على وجهه فبدا وكأنه حزين. فم مطبق، وجبين مقطب، ورعشة يد غير منتظمة! ولكني أشهد الله لم يكن ثمة خلجة من حزن على وجهة. . ماذا؟. . قريب له قد مات. . البقاء لله. . هكذا قلنا. . ورجاه الجالسون - وأنا معهم - أن يتصبر فصبر، ثم أطلقت نكته فضحك. . لم يبك الرجل، ولم يقم ذو الشعور الرهيف إلى مصابه، بل أقام في مجلسه يكمل الحديث عن حس رقيق في خلاله وشعور رقيق اختصه به الله. . .
لم أطلق صبراً فقلت له: يا سيدي. . إنك تتكلم عن أعصابك تصفها بالرفاهية والرقة حتى كدنا نعتقد أنك نسيج من أعصاب غير مغلف؛ وها أنت ذا تقدم أعصابك في امتحان؛ وها هي ذي تنجح نجاحاً لا تجوزه أقوى الأعصاب نسجاً وأشدها متانة. ألم يمت لك قريب.؟ ألم تضحك؟. . لا. . لا تقل إنك تعزي نفسك، إن العزاء يكون بعد النعي بيوم؛ هذا لمتين الأعصاب، أما لمرهفها فعشرة على الأقل. . يا سيدي مل بنا عن هذا الحديث أظنني كنت ثائراً. . ولا شك أنني فضولي ولكنني على أي حال (صاحب أعصاب أيضاً)
قام الرجل من جلسته ونظر إلي في احتقار شديد وقال: أنت أهنتني، وليس من دأبي أن أرد الإهانة بمثلها، فإلى اللقاء.