للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فوق جبل البارود]

للدكتور زكي مبارك

طاف الشاعر بالشواطئ طوافاً طال حتى بلغ سبع ساعات، وكانت غايته من طول الطواف أن يرى جنية تفوق صاحبة الميعاد، ليستطيع التمرد عليها إن فكرت في التمرد عليه، ولكنه لم ير في الشواطئ ما يصيبه أو ينسيه، فقد كانت الجنية أقوى روح تخطرت فوق تلك الرمال

أيان يذهب الشاعر لو نفرت منه الجنية؟

لقد سحرته سحراً لا نجاة منه ولا خلاص، وصيرت السجن أحب إليه من الحرية، وفرضت عليه أن يفرح بنعمة الشقاء

أنه يذرع الشواطئ من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب، فلا يرى من ذلك الملك العريض، ملك الحسن الوهاج، غير ألماح مقبوسة من نيران الجنية، والجنيات خلقن من النار لا من الماء

سبع ساعات والشاعر في حيرة من أمره، في حيرة من بخل الطبيعة بأن تجود عليه بما يصيبه أو يسليه ليتمرد على الجنية لحظة من زمان

وكان الميعاد عند الغروب، في اللمحة التي تخلع فيها الشمس أثوابها الفضية لتستحم في البحر وتنام إلى الصباح

- ألا تخاف على الشمس من هذه العاقبة؟

- أية عاقبة يا محبوبتي؟

- عاقبة اغتراق الجمر في الماء

- لو كان الماء يطفئ الجمر في كل وقت لأطفأت دموعي نار قلبي

- ولك دموع وأنت أقسى من الجلمود؟

ومضينا فخلونا بمكان لا يهتدي إليه رقيب ولا عذول، وكانت الخلوة مزعجة إلى أبعد الحدود، فقد كان الغرض أن أستطيع حصر نار الجنية في مكان، وأن تستطيع الجنية حصر قلبي في مكان

- اجلس هنا لأجلس هناك

<<  <  ج:
ص:  >  >>