[ورد الربيع!]
للدكتور عبد الوهاب عزام
دار الفلك دورته، وعاد سيرته، فسرت في أعصاب الأرض هزة الحياة، وتفجرت عروقها بالمياه، وسالت قمم الجبال جداول وأنهاراً، واشتعلت الأرض أزهاراً وأشجاراً
تبرجت بعد حياء وخفر ... تثنى على الله بآلاء المطر
صرحت الأرض بمكنونها، وأبانت الحياة عن ضميرها، فنبتت معاني الحياة والجمال، في ألفاظ من الأوراق والنوار
باح الربيع البساتين ... وعطر النفس أنفاس الرياحين
ونفخت أنفاس الربيع الحرى الحياة في كل ذرة، فأخرجت قواها أعشاباً وأزهاراً، فرقتها ألوان، وألفَّتها معان
لم يبق للأرض من سر تكاتمه ... إلا وقد أظهرته بعد إخفاء
أبدت طرائف شتى من زواهرها ... حمراً وصفراً وكل نبت غبراء
أيُّ مسرح للفكر! وأي مجال للخيال! وأي مراد للطرف!
دنيا معاش للورى حتى إذا ... جاء الربيع فإنما هي منظر!
وفي أرجواني من النور أحمر ... يشاب يا فرند من الروض أخضر
إذا ما الندى وافاه صبحاً تمايلت ... أعليه من در نثير وجوهر
إذا قابلته الشمس رد ضياءها ... عليها صقال الأقحوان المنور
والطير مغردات كأن أصواتها ذوب هذه الألوان، وكأن ألوان الروض جمد هذه الألحان. يهتز الطائر الغريد على الغصن الأملود فيقرأ ما تحته من صفحات الجمال، كأنما الطير إبر الحاكيات تنطق بما تضمنت الصفحات من نغمات - والعصفور مرح تتداوله الأغصان، وتتهاداه الأفنان، تارة في انتزاء، بين الأرض والسماء، وتارة تغيبه الحديقة، كأنه في هذا الجمال فكرة دقيقة. صغير تملأ الهواء نغماته، وضئيل تشغل الجو خفقاته
والفراش قلق بين النوار، هائم بين الأزهار، لا يقر له قرار، كأن كل فراشة زهرة طائرة، أو قبلة بين الأزهار حائرة، أو نغمة في جمال الروض سائرة!
والشعراء ينافسون الطير على الأيك طرباً وتغريداً، وفي المرح تسبيحاً وتحميدا. تنبجس