يا صديقي العزيز! حقيقة أذكر بعد قراءة فصلك الأخير في (الرسالة) أنك كنت عازماً على نقد كتابي (محمد)، فما الذي منعك؟ وأذكر أيضاً أنك أفضيت إلى بخوفك من أن يسئ رجال الدين فهم مرادك فأضارّ أنا بذلك؛ وهى عاطفة نبيلة حمدتها لك. على أني فيما أذكر أيضاً قد شجعتك على المضي في نقدك وهو في جملته لا يؤيدني. بل إني قد وافقتك عليه معجباً بفراستك مقدراً لبراعتك في الوقوع من فورك على المواطن التي يجوز فيها النقد والكلام. فأنت ترى أن المؤلف لم يغضب، بل ابتسم واغتبط ليقظة الناقد. في الواقع أنى لست أومن كثيراً بتلك الأسطورة التي تروى عن غضب المؤلفين. واسمح لي أن أتكلم بلسانهم فأقول إن هذا الغضب لا يجد سبيلاً إلى نفس الكاتب إلا إذا شعر من ناقده بعزوف عن الحق والجد، ونزوع إلى الحط من القدر مبطن بسوء القصد. فالناقد الذي يحترم شخصي ويهدم عملي لا يغضبني. لأني أعلم أن الأديب لا يهمه النقد. فهو كائن ممتاز لا يُهدم، ولا يقبض إلا بأذنه، ولا يقضى عليه إلا بإرادته. إن الأديب لا يموت مقتولاً، بل يموت منتحراً. ومع ذلك فأني لا أحب للمؤلفين أن يغضبوا على أي حال، فان الغضب علامة الضعف الآدمي، ولا شئ في الوجود أقوى من الابتسامة. ولكن من ذا الذي أعطى القدرة على الابتسام الصافي الجميل في كل موقف وفي كل حين؟ أهو الجبار وحده؟ ألا ترى معي أن الجبروت إنما هو الصفاء؟ (إذا أردت أن تسلك طريق السلام الدائم، فابسم للقدر إذا بطش بك، ولا تبطش بأحد) تلك كلمة لعمر الخيام، جعلتها في رأس كتابي (من الشرق) الذي لم أكتب منه في سنوات ثلاث أكثر من ثلاثة فصول. وانك لتعجب إذا قلت لك إن هذا البطء أو هذا العجز مرجعه علة واحدة قد انكشفت لبصيرتي آخر الأمر: عدم استكمال تلك الصفة العليا التي يرتديها بعض رهبان الفكر كما تُرتدى المسوح: الصفاء
إن كنت من رأيي في كل هذا فإن لي عندك حاجة: أن تنشر معي تلك الابتسامة بين الأدباء، فأن الأدب شئ جميل؛ هو جنة لا صخب فيها؛ وهو معبد لا تدخله الأحقاد. إن أعجب ظاهرة في أدبنا أنه لا توجد فيه صداقات عظيمة جديرة أن يتحدث عنها تاريخ