للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٩ - محاورات أفلاطون]

الحوار الثالث

فيدون أو خلود الروح

ترجمة الأستاذ زكي نجيب محمود

فأجال فينا سقراط النظر، كما هي عادته، وقال باسما: إن دليل العقل ناهض في جانب سمياس، وإن في مهاجمته إياي لقوة، فلماذا لا يتصدى منكم لأجابته من هو أقدر مني؟ ولكن قد يحسن بنا قبل أن نجيبه، أن نصغي كذلك لما يريد سيبيس أن يناهض به الدليل - وسيكون لنا من ذلك للروية متسع، فإذا ما فرغ كلاهما من الحديث، وبدا قولهما مستقيما مع الحقيقة سلمنا لهما، وإلا، فلنا أن نؤيد الجانب الآخر، وأن نناقشهما. قال: تفضل إذن فحدثني يا سيبيس، أي مشكلة صادفتك فأتعبتك؟

قال سيبيس: سأحدثك - إني لأشعر بأن التدليل لم يتزحزح عن موضعه، فأنا مستعد أن أسلم بأن قد قام الدليل القاطع الوافي جدا، إن جاز لي هذا القول، على وجود الروح قبل حلولها في الصورة الجسدية. ولكني أرى أن بقاء الروح بعد الموت لا يزال يعوزه الدليل، ولست أعترض في ذلك بما أعترض به سمياس، لأنني لا أريد أن أنكر أن الروح أقوى من الجسد وأطول بقاء، فعقيدتي أن الروح تسمو على الجسد في كل هذه النواحي سموا بعيدا. وقد يخاطبني الدليل فيقول: حسنا أذن، فلماذا تقيم على ارتيابك؟ إذا رأيت أن الأضعف يظل باقيا بعد موت الإنسان، أفلا تسلم بأنه يتحتم أيضا أن يبقى ما هو أطول بقاء خلال هذه الفترة نفسها؟ ويجمل بي الآن أن أستخدم المجاز، كما فعل سمياس، وسأطلب إليك أن تنظر في استعارتي لترى هل جاءت ملائمة لموضوعها. أما المثل الذي سأسوقه فهو مثل نساج قديم، يموت فيزعم بعض الناس بعد موته أنه لم يمت وأنه لا بد أن يكون حيا، ويستشهد على ذلك بالعطاف الذي نسجه بنفسه وارتداه، والذي لا يزال جيدا متينا، ثم يمضي فيسأل المرتاب من القوم. هل الإنسان أطول بقاء أم العطاف الذي يستخدم ويرتدي؟ فإذا ما أجيب بأن الإنسان أطول جدا في البقاء، ظن أنه قد أثبت بذلك يقينا بقاء الإنسان الذي هو أطول بقاء ما دام الأقصر بقاء لا يزال باقيا. ولكني أرجو أن تلاحظ يا

<<  <  ج:
ص:  >  >>