وهكذا بعد الملاحظة وجدنا أن الفن في العصور القديمة كان يتمتع بمقاييس أكثر اتساعاً، وكان بإمكانه أن يتناول جميع الأشياء الطبيعية المرئية التي يُعد الجمال فيها جزءاً صغيراً، فكانت الحقيقة وطريقة التعبير هما فيه المطلب الأول. وكما أن الطبيعة تضحي في كل لحظة بالجمال بناء على نظرات لها سامية، فكذلك الفنان نفسه ينبغي له أن يخضع للطبيعة برسمه الموضوع دون أن يطمع في أكثر من الظفر بالحقيقة والتعبير، فإذا انقادا له فقد أوتي القدرة بهما على أن يُحيل القبيح في الطبيعة جميلاً في الفن.
هبْ أننا نريد أن نتقبل بدون مجادلة - عمر لحظة واحدة - هذه الأفكار صالحة كانت أم سيئة، أفلا يبقى هنالك مجال فسيح لندرس سبب اضطرار الفنان إلى مراعاته مقياساً خاصاً في التعبير دون أن ينتخب الحالة التي يكون فيها الأثر المرسوم على أشد ثورته. ولكن مثل هذا الدرس سيكون رده سهلاً بدرس تلك اللحظة الواحدة التي تحدد أوضاعها الأوضاع الفنية. فإذا كان الفنان في الطبيعة المتقلبة دائماً لا يستطيع أن يلتقط منها إلا لحظة واحدة؛ وإذا كان المصور بعد ذلك لا يستطيع في هذه اللحظة نفسها أن يلتقط إلا جانباً واحداً من جوانبها، وإذا كانت آثار هذا الرسام إنما صُنعت لا ليمد إليها الناظر عينيه فحسبُ، ولكن ليتأمل فيها طويلاً، فان من الحق أن هذه اللحظة الواحدة قد انتخبها المصِّور ولم تكن مخصبة كثيراً. على أن المخصب حقاً هو ما يترك حقل المخيلة وسيعاً فسيحاً يجول فيه البصر كيف يشاء.
وبقدر ما نرى الأثر الفني عميقاً يحتوي جوه على خاطرات كثيرة نرى قدرته على توليد الأفكار، وبقدر ما نرى توليده الكثير للأفكار نتصور أننا نرى فيه أشياء وخواطر كثيرة.
في كل مظهر لعاطفة نرى ساعة احتدادها هي التي تنعم بهذا الامتياز وعملك على إبداء