للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من وحي الحرب]

وداعاً. . .!

للأستاذ كامل محمود حبيب

وداعاً، يا عزيزتي، وداعاً!

بين هذه الزعازع التي تلف العالم في ثورتها، وهذه العواصف التي تصعق الأمم في شدتها، وهذه النزوة الطائشة التي تبتلع الشعوب في احتدامها. . . وقفت أن أهتف بك: وداعاً، يا عزيزتي، وداعاً!

وانسرب بك القطار إلى الريف الجميل، إلى حيث تنعمين بالهدوء والراحة، إلى حيث تجدين لذة الأمان والطمأنينة؛ وخلفتني ألوح لك بمنديل أبيض قائلاً: وداعاً، يا زوجتي، وداعاً!. . .

ووجدت فقدك، فغمرتني لجة من الخواطر السود، وأنا في مكاني أشهد القطار وهو يتوارى خلف الأفق. . . ثم عرتني نكسة الفراق، فتراءت لي من خلالها أنانيتك، وأنت تسدلين عليها - في ساعة الوداع - سجفاً من عبرات خادعة كاذبة، هي صورة من قلب المرأة الفارغ

ورجعت أتخبط في أرجاء الأرض، وقد لعج الحزن فؤادي؛ تضيق نفسي بالوحدة، ويتحرق قلبي بالوحشة

ودخلت الدار وحدي فأحسست مقتها إلى وخيل إلي أنها تكاد تلفظني لأنني غريب عنها وهي غريبة عني. لقد امتدت حماقتك إلى أثاثك فحملته - من قبل - إلى دار أبيك

ورحت أطوف في أنحاء الدار فما أجد بعض آثارك، فعلمت أنك أردت أن تمسحي تاريخك من عمري وألفيت كتبي وحدها تناديني فجلست إليها ألتمس السلوة

آه لو ألقيت إليك السلم فقذفت بكتبي حيث طوحت أنت بأثاثك، إذن لاستشعرت فقدك مرتين

إن حرصك على حاجاتك انتزع منها الحياة فهي لُقى في ناحية من دار، أما اعتزازي بكتبي فما انفك يبعث فيها الحياة

لا جرم، قد انخذلت أوصالك وانخلع قلبك، أول ما دوت صفارة الإنذار، فانبعثت تبحثين

<<  <  ج:
ص:  >  >>