للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن نفسك وقد تبعثرت في صلصلة الصوت

ثم تطاير الحمم من فوهات المدافع يزلزل الأرض والقلب في وقت معاً، فاندفعت تصرخين، وأنا أهدئ من روعك فما أصنع شيئاً

وهالني ما رأيت فتركت لك الخيرة من أمرك لأنني أشفقت عليك، فآثرت الرحيل

لا بأس، فقد خشيت أن يبلغك بعض غضب الإنسان الوحشي الذي لا يفترس - حين تتأجج حيوانيته - بالناب والظفر، بل بالقنبلة والمدفع والرصاصة و. . . مما لا يسمع ولا يرى ولا. . . ولا يعي

وغرك شبابك الغض وجمالك الخلاب وأملك الباسم، فضننت بها جميعاً أن تكون طعمة لثورة الإنسان

وحرصت الحرص الذي ينزع بالمرأة دائماً إلى أن تنسى كل شيء إلا أن تكون عالة تتدلل

وتركتني من ورائك جندياً في الميدان، أحمل عبء نفسي وعبء عملي وعبء الدار وعبء الفزع الأكبر الذي يتهددني، وأنت بين أهلك لا تحتملين شيئاً من كلف الحياة

هذا، يا عزيزتي، هو الإخلاص الذي تغنيت به زماناً فانخدعت له؛ والآن - حين مرج الأمر - تبعثر في دوي الصيحة الكبرى

إن المرأة، يا سيدتي، معمل تفريخ فحسب، فإن هي عجزت عن أن تكونه فقد تعطلت وظيفتها، وبطل عملها في الحياة

وأنا عشت معك عمراً من عمري، أصفيك محض الود، وأحبوك خالص العطف، على حين قد لبثت سنين أنتظر. . . غير أنك كنت جرداء قاحلة لم تتفتح حياتك الجافة عن نبتة واحدة أستمتع فيها بنور الحياة الجميلة، فما ضاقت بك داري ولا غصت بك أيامي. . .

يا عجباً! لقد نسيت أنك كنت وأني. . . ففزعت عني أحوج ما أكون إليك، وطرت بعلمك الجاهل وعقلك المأفون، وفي رأيي أن المرأة المتعلمة العاقلة ليست في الميدان أماً لطفل فحسب، بل هي أم ذلك الجندي الذي تعركه الحادثات وتصعقه النوازل، وهي. . . وهي. . . رأب صدعه، ولكنك عجزت عن أن تكوني واحدة منهن

وثقلت عليك أيامي وأحلامي معاً فانفلت إلى أهلك، ولكن جشعك الوضيع كان يبعث بك إلي أول كل شهر لتحبطي حجتك الواهية وتفندي رأيك الخاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>