طويت صفحة المرحوم الشيخ عبد العزيز البشري في غمار الأحداث فلم تفه الأقلام حقه بحسبانه من أدباء العربية المعاصرين الذين خدموا لغة الضاد وتميزوا بجزالة الأسلوب ورصانة العبارة ووثاقة المعنى.
والحق أن المرحوم البشري كان من حواريي تلك المدرسة الأدبية المحافظة التي نشأت في أعقاب الثورة العرابية، ولقد شرح بنفسه مدى تأثره بأسلوب المويلحيين في الجزء الأول من كتاب (المختار). ولو قد رجعنا إلى أساليب الكتاب قبل هاتيك الثورة لها لنا مقدار تهافتها وركاكتها وبعدها عن أوضاع اللغة الصحيحة ونحوها وصرفها، ومن ثم كان لنا أن نزعم أن الثورة العرابية خدمت - عن طريق غير مباشر - اللغة العربية بما أذكت من الكتاب والخطباء.
ولقد نشأ الشيخ البشري في بيت علم ونعمة وحفاظ، فكان أبوه شيخاً للأزهر حقبة ليست بالقصيرة وكان من الأساتذة المتبحرين في الفقه على المذهب المالكي، فلم يشأ أن يخالف عن تقاليد أسرته فانخرط في سلك طلاب الجامع العتيق، بيد أن النهضة الحديثة كانت أضواؤها تأتلق في جنبات الأزهر بين طائفة قليلة من الطلاب وطائفة أقل من الأشياخ. وكان أن أصدر المرحوم إبراهيم بك المويلحي صحيفته الأسبوعية (مصباح الشرق) وفيها نقد للشخصيات المصرية في القرن التاسع عشر وفيها (حديث عيسى بن هشام) لمحمد بك المويلحي بأسلوبه التهكمي الجزل، وهكذا فتن (البشري الصغير) بالأدب والأدباء وعزف عن حلقات الدرس في الأزهر ودأب على مراسلة الصحف الأدبية القائمة حينذاك، وما كاد يظفر بإجازة العالمية حتى طلبته وزارة المعارف ليكون محرراً فنياً بها.
حدثنا رحمه الله فيما حدثنا أنه كان مغرما بالفن من صباه، وأنه وقد أدرك من المطربين عبده الحمولي ومحمد عثمان ويوسف المنيلاوي وعبد الحي حلمي وغيرهم، كان لا يفوته مجلس من مجالسهم الموفقة، وإذ كان صغيراً والناس ما يبرحون على الحفاظ والاحتشام، كان ما ينفذ من الخدم والأحراس إلا بالرشوة في أيديهم أو بالزوغان من أعينهم، وكان