لست حديث العهد بالإمام الجليل حجة الإسلام أبي حامد محمد الطوسي الغزالي. فقد قرأت له وقرأت عنه في ماضي السنين قراءات كثيرة.
ولكنني شعرت بالأمس وأنا أقلب صفحات كتابه النفيس (إحياء علوم الدين) أنني حديث العهد بناحية جديدة من حياة الرجل العلمية وهي ناحية معرفته النفسية. فاندفعت إلى بحث هذه الناحية في كتابه هذا بحثاً رجعت بعده معتقداً كل الاعتقاد بأن الرجل لم يكن مسلماً متصوفاً مجاهداً بقلمه ولسانه في سبيل يقينه فحسب، بل كان عالما نفسياً أيضاً بتأمله الذاتي الذي قضى فيه السنين الطوال مستعيناً بالعزلة الفكرية والخلو الجسمية في منارة جامع دمشق تارة وفي جوف الصخرة المشرفة في القدس تارة أخرى. يتأمل في ذاته ويدرس نفسه، يحلل عواطفه وسلوكه وخواطره ونزوعه. ولا نعني بقولنا أنه كان عالماً نفسياً ما نعنيه إذا قلنا إن فرويد أو ادلر أو يونج عالم نفسي. فالغزالي عالم إسلامي صوفي ذكي القلب عالي الهمة غزير المادة لمع في سماء العالم الإسلامي وهي ملبدة بغيوم الفوضى الدينية والاضطراب السياسي فرأى من واجبه أن يكون مصلحاً فأنبري للإصلاح الديني يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة فدفعته الرغبة في الإصلاح إلى التأمل في النفس البشرية التي يريد إصلاحها في الأمم الإسلامية المضطربة بين النزعات السياسية الداخلية القائمة بين طلاب الحكم من الفاطميين والعباسيين والغزوات والعسكرية الواقعة على البلاد الإسلامية من قبل السلاجقة والصليبين فرأى أن يبدأ بنفسه يتأملها فتكون نموذجاً لهذه النفوس البشرية الحائمة الحائرة بين الحياة والموت تطاردها الحوادث فلا تدري في أي أرض تحيا ولا في أي أرض تموت. فأوصله التأمل المتلاحق في الوقت الطويل إلى معرفة حسنة ببعض الخصائص النفسية والطبائع الإنسانية، ودراستنا لهذه المعرفة على نور علم النفس الحديث ترينا أثر المجهود الفكري قواعد نفسية تتماشى جنباً إلى جنب مع القواعد النفسية الحديثة. وإخراج هذه القواعد النفسية التي وصل إليها الغزالي بتأمله وتفكيره وبحثه ودرسه فدونها في كتابه إحياء علوم الدين ومقابلتها يمثلها من قواعد علم النفس الحديث ومصطلحاته هو الغرض الذي رمينا إليه في دراستنا لهذا