للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الموضوع الجليل.

ولنشرف الآن على مدينة طوس بخراسان في منتصف القرن الخامس الهجري فنرى في بيت من بيوتها عائلة فقيرة يعلوها رجل غزال ولكنه متدين متفقه رقيق القلب. . . يبكي ويتضرع كلما سمع عظة فيها تهديداً ووعيد، يحس في نفسه بالخضوع والانقياد لله، ويحس برغبة التعبير عن هذا الخضوع والانقياد وعظاً وإرشاداً فيخونه جهله ومقامه الاجتماعي فيروح متمنياً على الله أن يرزقه أبناً واعظاً يسد به نقصه ويحقق بواسطته رغبة كبتها الجهل والفقر في نفسه، فمن الله عليه وضاعف في المنة، فرزقه بدل الولد ولدين فسمى الكبير محمداً وهو وموضوع بحثنا، وسمى الثاني أحمد وهو عالم كبير. حرك الوالد في نفس الطفلين الخضوع والانقياد لله ونقل إليهما رغبته في أن يكونا فقيهين واعظين. ولكن الوالد قد لحق بربه وخلف طفليه في الحياة الموحشة المضطربة القاسية ضعيفين فقيرين فكفلهما صديق للوالد فقير غزال، فأنفق الصديق الوصي على الطفلين ما تركه أبوهما من المال القليل ثم أدخلهما تحت ضغط الحاجة مدرسة ينالان منها القوت بصفتهما من طلاب العلم في تلك المدرسة الخيرية التي أسسها الرجل العظيم نظام الملك فيما أسس من المدارس الكثيرة في ذلك الزمان العصيب. كان الإمام أبو حامد الغزالي يشير إلى هذا بقوله: (طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله). فأصبح الطفلان عالمين كبيرين وفقيهين عظيمين وواعظين خطيرين.

تعلم الإمام الغزالي في طوس ثم رحل في سبيل العلم إلى جرجان ثم إلى نيسابور حيث برع في الفقه والمنطق والفلسفة فتولى التدريس في المدرسة النظامية في بغداد مرة من الزمن انكمشت بعدها نفسه عن العمل فترك التدريس وذهب إلى بيت الله الحرام فحج ثم توجه إلى بيت المقدس فجاور الحرم القدسي حقبة من الزمن عاد بعدها إلى دمشق فاعتكف في زاوية بالجامع الأموي ولبس الثياب الخشنة وقلل طعامه وشرابه ثم رجع إلى بغداد واعظاً مرشداً ثم عاد إلى خراسان ودرس بالمدرسة النظامية في نيسابور مدة يسيرة عاد بعدها إلى طوس فاتخذ فيها إلى جانب داره مدرسة للفقهاء وزاوية للصوفية وزع وقته وجهده عليهما حتى توفاه الله.

وما دمنا قد ألممنا هذه الألمامة العامة بحياة الغزالي فقد أصبح من الحق أن نعرض لهذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>