(إنك لم تفهم بعد الدرس الذي تلقيناه من أجدادنا بهزيمتهم وموتهم: إنه درس صبر وعناد ويقظة واحتراس ومكر وخديعة. لكي ننتصر على أعدائنا ذهبنا لمدارسهم وكانت عقولنا لا تهضم تعاليم الغرب وأساليبه. فشعرنا بحاجتنا إلى عقلية أوروبية فأقدمنا بكل صعوبة وألم وحسرة على التحرر من أشياء عزيزة علينا للحصول عليها. ولكن هذا التغيير كان لازماً نعم لأجل الخلاص لأجل إنقاذ الوطن لكي ننتصر على الأعداء في الميدان).
(من كتاب المعركة)
كفاح الجزائر أمام جحافل فرنسا
إننا لا نحاول سرد حوادث هذا الكفاح، لأن من السهل تتبع معاركه وأدواره وحلقاته من كتب التاريخ في مختلف اللغات ولذلك سنكتفي بإعطاء فكرة إجمالية، أو رسم صورة عامة من التي يراها واقف على مرقب أو مركز للرصد من على رابية عالية تشرف على الحوادث والتطورات وعلى مواقع القتال. ونرجو أن نوفق في إخراج التاريخ صورة حية وذكرى لمن شاء أن يتذكر من دروسه وتجاربه وعبره حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى في تاريخنا وكفاحنا.
كانت حكومة الجزائر الإسلامية من الحكومات التي ليس لها سبيه أو مماثل في التاريخ إذ كانت تابعة للدولة العثمانية ولكنها تتمتع بسيادة وحرية، وكانت خارجة على القانون الدولي والعرف السائد بين الأمم الأوروبية ومع ذلك فهي تفرض الإتاوات على دول الغرب وتتقاضى رسوم المرور في عرض البحر، وإلا هاجمت أساطيلها المراكب البخارية، وأحياناً ثفور هذه الدول ومرافئها، ولهذا سالمتها الحكومات المختلفة وأذعنت لقبول ما تفرضه هذه الحكومة عليها، فكانت فرنسا ترسل إليها هدايا معلومة مالية أحياناً وأخرى معدات وآلات حربية، وكان هذا شأن بريطانيا معها والدانمارك ومملكة صقلية والبرتغال