الفن لا زمان له ولا مكان، بل هو تراث الإنسانية الخالد على مر الأمان. وحين تتيح لنا أمة من الأمم فرصة مشاهدة آثارها الفنية تمهد لنا السبيل إلى مشاركة فنانيها ورجال الفكر فيها، أسمى أحلامهم وأمانيهم وأنبل عواطفهم واحساساتهم.
ففي الفن وحده يتسامى الإنسان عن المطامع والدنايا والمشاغل الدنيوية ويفسح الطريق لعواطفه ومشاعره التي تؤكد المعنى الإنساني فيه، المعنى الإنساني الذي لا يعرف الحدود الجغرافية أو المطامع السياسية وما تثيره من أحقاد وضغائن وفرقة، والفن وحده هو النبراس الهادئ الذي يذكرنا دائماً أن البشر عائلة واحدة مهما احتدم بينهم الخلاف والبغضاء. وتبادل التراث الثقافي هو خير ما يعزز هذا الإحساس في الإنسان. ومعرض الفن البريطاني المعاصر الذي أقيم في القاهرة خلال هذا الشهر مجهود طيب من مجهودات (المجلس البريطاني) في سبيل تعزيز الألفة الثقافية والفكرية بين مصر وإنجلترا.
وقد قسم المعرض إلى أقسام ثلاثة: قسم الصور الزيتية والمائية، وقسم الحفر والنقش، وقسم الأطفال. ويحتوي القسم الأول على ما يقرب من مائة لوحة لأقطاب الفن الحديث في إنجلترا، وهي تعطينا فكرة صادقة عن هذا الفن خلال الأربعين سنة الأخيرة. ولاشك عندنا في أن المجهود الذي بذل في انتقاء هذه المجموعة من بين آلاف اللوحات كان مجهوداً كبيراً صاحبه التوفيق إلى أبعد الحدود في اختيار خير العناصر التي تمثل مختلف المدارس الفنية المعاصرة في بلاد الإنجليز
والفن الإنجليزي المعاصر لا يتميز بطابع إقليمي قومي، ذلك لأن غالبية أقطابه تلقوا دراساتهم في البلدان الأوربية الأخرى وبخاصة باريس؛ كما أن سهولة المواصلات وسرعة تبادل الإنتاج الفكري ساعد الفنانين الإنجليز على سرعة استيعاب المذاهب الفنية الأوربية والتأثر بها.
ولطالما نعى النقاد - حتى الإنجليز منهم - على الفن كالبريطاني خلوه من الروح الفنية الصحيحة وضعف (معنوية الشكل) فيه، ولكن المجموعة المعروضة الآن تثبت أن الفنانين البريطانيين قد تحرروا إلى حد بعيد من ذلك الجمود الذي يرين على مجهود الكثيرين منهم.