لقد كان من أحلامي التي خلتها منذ أمد بعيد خيالا بعيد المنال، أن أعبر جبال الأنديز وأمتع النظر بمشهد (أكونكاجوا) ثانية ذرى العالم علوا، وكانت تعاودني تلك الأمنية سنة بعد أخرى، حتى شاءت المقادير فحققت لي ذاك الأمل في الصيف الماضي، وكم كثرت الأراجيف وأنا على ظهر الباخرة إلى (الأرجنتين) بأن الطريق معطل ولن يمكن عبوره اليوم، وما كدت أصل بونس إيرس حتى قصدت على الفور دار للسياحة مستعلما، فقيل لي إن الطريق معطل على أثر السيول والثلوج التي اجتاحت منه أثنى عشر ميلا بقطرها ومحاطها وقناطرها، ولن يمكن عبوره في ذاك الجزء إلا على متون البغال الممضة وسط الثلوج الرهيبة مدى أسبوع، فأخذتني الدهشة، وكاد يتطرق اليأس إلي، لكني عدت فاعتزمت القيام بتلك التجربة حتى لا أحرم رؤية مجاهل الأنديز الرهيبة، وبعد لأي ما قبلت شركة السياحة أن تبيعني التذكرة، وقد اشترطت ألا تتحمل أية مسئولية إذا حدث لي حادث في الطريق، وكم سرح الخيال في تلك المجاهل بقية يوم السبت وطيلة الأحد، فكان تارة يبدو الأمر قاتما مخيفا، وطورا يضيء الأمل فتبدو الرحلة ناجحة شائقة. قصدت دار الشركة صباح الاثنين لأتسلم التذكرة، وما كاد يراني الرجل حتى صاح باسما أن قد فتح الطريق لأول مرة، وأني سأعبر المنطقة المنهارة على السيارات المريحة بدل البغال الخطرة، وذاك أول يوم يستأنف فيه السفر المأمون بعد أكثر من نصف عام، ومن العجيب أني لم أقابل ذاك النبأ بما يستحقه من الفرح والبهجة إذ كانت النفس تطمح إلى ركوب البغال وسط الثلوج فتكون مخاطرة جديرة بالتجربة. ابتعت التذكرة إلى سانتياجو ودفعت زهاء ستة عسر جنيها مصريا ثمنا لها
قمنا في الساعة السابعة صباحا بالسيارة نبرح مندوزا صوب جبال النديز وما كدنا نغادر جوانب البلدة حتى أوغلنا في سهول شبه صحراوية، يكسوها الحصى وتتخللها أعشاب وشجيرات قصيرة شائكة يابسة، وكانت تقوم جبال الأنديز أمامنا في صفحة قاتمة منفرة عريت من النبت، ولبثنا نسير صعدا على ليات أحد وديانها الغائرة الجافة حتى فاجأنا شبه