سهل في وسط الجبال، به بعض الزرع والشجر الأخضر فبدا كأنه الواحة وسط الصحراء وتلك محطة (أسباياتا وهنا بدت الجبال العاتية تكسوها الثلوج المشرقة يسيل ماؤها في واد ضيق، جوانبه مشرفة عاتية مجدبة، ويجري في أسفله ماء شحيح - وهو نهر مندوزاً - وهذا ممر اسباياتا الذي سلكه الإنسان منذ حل أمريكا في العصور البائدة مخترقا به تلك الجبال، ولما جاء الأسبان اتخذوه طريقهم على متون البغال ثلاثة قرون، حتى أقيمت سكة الحديد، وقد شاهدنا قنطرة صغيرة محدبة من عمل الهنود الحمر قديما ولا يزال يسميه القوم أي طريق الأنديز) بعد ذلك أخذن السيارة تصعد في منعطفات وعرة دونها هوى سحيقة وأمامها نجاد شاهقة تجللها الثلوج الناصعة في مشهد يأخذ بالألباب، وكثيرا ما كنا نلمح على بعد جواناكو يسرع بالهروب بمجرد إحساسه بنا وهو كاللاما من فصيلة الجمال، وبعد مسيرة ست ساعات بسياراتنا وصلنا محطة: لاس فاكاس: وكنا نشاهد فلول القضبان والقناطر مهشمة أيما تهشيم
وقفنا نتظر القطار والريح عاصفة والبرد قارس زمهرير، وكنا نرى على بعد قمة بهامتها المدببة البيضاء وهي من أعلى ذرى الأنديز إذ يبلغ علوها ٢٢١٣٦ قدما
أقبل القطار مقدمه مغطى بالثلوج كأنه يحمل وسقا من الجليد الناصع، وحللت مكاني من الدرجة الأولى وهي تقارب الدرجة الثانية عندنا، وليس بالقطار سوى درجتين، وكان قد أمضني الجوع إذ كانت الساعة الثانية بعد الظهر فلجأت فورا إلى عربة الطعام وتناولت الغداء الشهي الجيد، وكان ثمنه زهيدا لا يجاوز ثمانية قروش، وذلك من أثر الرخص الذي كنا نسمع عنه في بلاد شيلي. وفي منتصف الطعام فاجأنا منظر غريب: مجموعة من أسنان الصخر بعضها فوق بعض تتوجها صخرة كبيرة حاكت الدير على بعد، والأسنان شابهت الرهبان الصاعدين إليه، ومن ثم أطلق عليها القوم اسم ثم وقف بنا القطار في محطة (بونتادل أنكاس) ومعناها جسر الأنكا، فنزلنا سراعا نحو الجسر العجيب، فإذا به صخرة متصلة بالجوانب، تحتها واد فسيح يجري به ماء، بعضه مستمد من عيون حارة عظيمة النفع في الاستشفاء، والجسر طبيعي عظيم الاتساع، يمكن ثلاث عربات متجاورة من المرور، فعرضه تسعون قدما وعله ٦٥ وسمكه ٧٠ وقد عرف منذ القرن الخامس عشر وأحيط بالخرافات وأنه مقر الأبالسة في عرف الهنود الحمر، وأطلق عليه اسم أحد قواد