الأنكا توباك توباكوي وقد وقفنا بعد قيام القطار نترقب قمة (أكونكا جوا) أعلى ذرى الدنيا الجديدة (٢٣٣٠٠ قدم) وأول ما تسم الإنسان هامتها في ١٤ يناير سنة ١٨٩٧ ظهرت تشمخ باسقة في السماء ومن حولها جمهرة من الذرى الأخرى يجللها جميعا بياض الثلج الناصع، وبين فترة وأخرى كان يحلق فوق رءوسنا طائر الهائل ملك المرتفعات وأقدر الحيوانات على احتمال عصف الريح وقر البرد، وكان الثلج يسود الأرجاء كلها، اللهم إلا في بعض الشجيرات القصيرة ونبات الصبار (الكا كتاس) في شكله العجيب وكأنه اسطوانات تقوم متجاورة، ويكسوها زغب من شوك طويل، وكنا كلما تقدمنا زادت كثافة الثلج حتى أن القطار كان يجري بين جدران خانق من الجليد الناصع كاد يغطي العربات إلى نصف ارتفاعها. وفي محطة:(لاس خويفاس) دخل القطار ظلة أقيمت من الحديد المجزع تفاديا من ثقل الثلج، وهنا تعددت الربى، فكانت كأنها الهامات الشم جللها الشيب الناصع، ومن ألسنة جليدها كان يسيل لعابها في زرقة مستملحة يزينها زبد أبيض، وكم تكاثر الثلج على أسلاك غلاظ وصفائح قاسية فقوضها، وأنت ترى بقع الثلج الأبيض كمندوف القطن تملأ التجاويف الواحدة تحت الأخرى فيذيبها، وقد يجمد بعض الماء فيظهر في زوائد وأسنان بلورية، وفي الهوى الغائرة يتجمع الماء ويجري في واد ضيق، وفي كثير من البقاع كان للقطار نفق من حديد مخافة تكاثر الثلج، وفي هذا الجزء كان القطار يسير على ثلاثة قضبان، الأوسط منها مسنن لكي تستبك به تروسه خشية وعورة المنحدر. دخل بنا القطار نفق طوله ميلان تقريبا، ومن غريب المصادفات أن ارتفاعه عن سطح البحر ميلان أيضا، وهو أعلى جهات سكة الحديد، فهي هنا ١٠٥١٢ فوق سطح البحر وفي وسط النفق الحد الفاصل بين الأرجنتين وشيلي، وبمجرد عبور القطار بنا هذا الحد داخل النفق، سمعنا صليل أجراس تدق من تلقاء نفسها عندما يضغط القطار على أسلاكها وذلك إيذانا بتخطي الحدود. ولما أن خرج القطار من النفق إلى ضوء الشمس أشار القوم أن هاهو (الكريستو) إلى يميننا، وهو تمثال هائل للمسيح أقيم في سنة ١٩٠٤ حينما أحتكم الخصمان في مشكلة الحدود إلى ملك إنجلترا إدوارد السابع، والذي توسط في حسم النزاع وعرضه للتحكيم نساء الفريقين وقساوستهم على أن تنفق نقود الحرب في تحسين الطرق على الأندييز، وبجزء من ذلك المال أقيمت سكة الحديد. ثم اكتتبوا لهذا التمثال، وقضى