ملك الإنجليز بجعل الحد عند تقسيم المياه بين الدولتين، وهي هنا على علو ١٢٨٠٠ قدم، والتمثال من البرنز القاتم صيغ من بعض المدافع الحربية القديمة التي أخذوها من الأسبان في حرب الاستقلال رمز للسلم وتحطيم أدوات الحرب، ويقوم على قاعدة من جرانيت وعلوه ٢٦ قدما، وقد نقش على قاعدة التمثال، وتحت أقدام المسيح ما معناه:
(لقد أقسم رجال الأمتين بين يدي المسيح ألا ينقض عهد السلام بينهما، حتى ولو دكت تلك الجبال فصارت هباء). على أن التمثال كادت تكسوه الثلوج فتخفيه. أخذنا في الانخفاض من منحدر وعر، ما كان القطار ليستطيعه لولا القضبان المسننة، ومن دوننا وادي أكونكاجوا الغائر، بين محطتي كارا كولس، بورتيليو، فاجأتنا مجاميع الربى في تعقيد رهيب تتوسطها بحيرة الانكا على علو ٩٠٠٠ قدم، ويقولون بأن ماءها ثابت المقدار لا يزيد ولا ينقص طيلة العام وذاك ما زاد قدسيتها عند الهنود! ولن يستطيع قلم مهما أوتي من البيان والإفصاح أن يعرب عما يحسه المسافر من رهبة وجلال تتمثل في عظمتهما القدرة الإلهية التي تزرى بكل شيء، وما الوصف بمجدي شيئا، فلن يأخذ القارئ من قولي ألا قبسا ضئيلا، وعليه إذا أراد الوقوف على شيء منها أن يمتع نظره بمرآها كي يحس بما أحسست. ويقولون أن أجمل ما ترى مناظر الصخور وأروعها في العالم بين تينك المحطتين. أخذنا نمر بالمحاط الشيلية، وكلما هبطنا ندر الثلج وزادت القرى وتعددت المسايل المائية، وقد بدا هذا الجانب من الجبال أغنى بعناصر الحياة بين إنسان وحيوان ونبت وشجر من الجانب الشرقي، لأن رياح الباسفيك تدر عليه من بللها ماءا وفيرا على نقيض الجانب الآخر الشرقي. ومن الأنهار التي استرعت نظرنا (الريو بلانكو) أو النهر الأبيض، وسمي كذلك لكثرة ما يعترض ماءه من صخور يرغي فوقها فيبدو أبيض ناصعا. ثم وقفنا طويلا في محطة وعندها غيرنا القطار الضيق إلى آخر. ثم خيم المساء فحرمنا بقية الاستمتاع بجمال الطبيعة بين هذه وسنتياجو، ولقد غيرنا القطار مرة أخرى وفي محطة (لاي لاي) وهنا يرى أول قبس من مياه المحيط الهادي إلى يمين المسافر
وفي منتصف الثانية عشر مساء دخلنا سانتياجو بعد مسيرة زهاء سبع عشرة ساعة من مندوزا أو سبع وثلاثين ساعة من بونس إيرس، وكان مقدرا لعبور القارة كلها من بنيس إيرس إلى سانتياجو ثلاثون ساعة بالقطار مسافة قدرها ٨٨٨ ميلا أو تزيد