للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ويسألونك عن القاهرة]

قل القاهرة بغداد الأمس وباريس اليوم

للدكتور زي مبارك

أكتب هذه الرسالة وقد هربت من ضجيج القاهرة في مساء العيد. وهل في شوارع القاهرة في مثل هذا المساء موضع قدم لمن يريد أن يزوِّد قلبه وعينيه بما في أعياد القاهرة من مواكب السحر وملاعب الفتون؟

هي دنيا من الغرائب والأعاجيب تسعد بها قلوب، وتشقى بها قلوب. وهل يعرف حلاوة السعادة أو مرارة الشقاء غير قلب تنطوي عليه أحشاء القاهرة في يوم عيد؟

يقال في كل أرض: إن النكتة المصرية هي أبرع ما عرف الناس من صور الذكاء. وهذا حق. . .

ولكن هل فكر أحد في أسباب هذه الخصوصية؟

إن النكتة هي النافذة التي نشرف منها على مروج الطرب والابتسام. ولو خلت حياتنا من النكتة لقتلنا الغيط على الأيام الجوائر التي لا يلتئم بها شمل ولا يعتدل ميزان

ولعل المقادير لوَّنت القاهرة هذا التلوين العجيب لتَطِبْ لقلوبنا الدامية، القلوب التي مزقها الهيام بالحب والمجد فلم تعرف معنى القرار في صباح أو مساء

قلت لقلبي: أيكون فرارك من ملاعب القاهرة في مساء العيد دليلاً على أنك تُشْبه الطفل الذي يزهد في اللعب؟

فقال: وما حكم الطفل الذي يزهد في اللعب؟

فقلت: ينزعج عليه الأهل، ويستقدمون له الطبيب، لأن الطفل لا يزهد في اللعب إلا وهو عليل

فقال: وأين أهل القلب العليل لينزعجوا عليه ويستقدموا له الطبيب. . .؟ وعندئذ عرفت أن قلبي يعيش في الدنيا بلا أهل!

هنا القاهرة!

نعم، هنا القاهرة. ولكن أين تقع القاهرة مما يريد القلب المفطور؟ أين وهي أصل العلة التي ردّت الفؤاد وهو صديع؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>