للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعي أن هذا الطلب الشديد المستمر سيؤدي إلى تنشئة جماعة كبيرة من الفنانين الماهرين في الزخرفة، وسيحملهم على التسابق في طريق التفنن والإبداع على الدوام

ولهذا كان من الطبيعي أن تزدهر في سامراء صنعة الزخرفة الجصية ازدهاراً كبيراً؛ وتولد طرازاً خاصّاً مع أشكال لا تعدُّ ولا تحصى، فيرتبط اسم سامراء - في تاريخ الفن - بهذا الطراز الخاص من الزخرفة. . . وتمتاز هذه المدينة، بجانب عظمة قصورها العديدة، وفخامة مساجدها الفسيحة، وامتداد شوارعها العظيمة، ونضارة بساتينها الجميلة - بزخارف دورها الكثيرة

كما كان من الطبيعي ألا يبقى هذا الطراز من الزخرفة محصوراً بسامراء وحدها، بل ينتقل - بواسطة قواد المعتصم وأخلافه - إلى القاهرة أيضاً، ويخلف هناك آثاراً باهرة في جامع ابن طولون من جهة، وفي المنازل المبنية في العهد الطولوني من جهة أخرى

لقد مضى على قصة هذه المدينة العجيبة أكثر من عشرة قرون. . . وأما الآثار والأطلال الباقية منها إلى الآن، فتضيف ذيلاً جديداً إلى غرابة مقدراتها المتسلسلة. إذ من الغريب أن آثار دورها المبنية من اللبِن والمزخرفة بالجبسين، قاومت حدثان الدهر، أكثر من قصورها المبنية بالآجر والمزخرفة بالرخام. . . والسبب في ذلك أن القصور تعرضت لتخريب الناس الذين اعتبروها بمثابة محاجر غنية بالمواد الإنشائية الصالحة للاستعمال، في حين أن الدور سلمت من تخريب الناس، ولم تتعرض لتدمير أيد غير أيدي الطبيعة والزمان. . . ويظهر أن أيدي الإنسان قادرة على التخريب - بوجه عام - أكثر من أيدي الزمان!

أبو خلدون

<<  <  ج:
ص:  >  >>