للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معقولاً لبنائي الدور أن يطمعوا في شيء من ذلك، بوجه من الوجوه. بل كان عليهم أن يتسابقوا في إيجاد الطرق والأساليب التي تضمن البناء بأقل ما يمكن من النفقة وأعظم ما يمكن من السرعة، دون أن يبتعدوا عن مقتضيات الطرافة والجمال. . . كان يتحتم عليهم أن يستعملوا المواد المبذولة في محيطهم، ويظهروا قوة ابتكارهم في كيفية استفادتهم من خواص تلك المواد في الزخرفة والبناء. . . ومن حين حظهم أن الطبيعة في سامراء كانت مساعدة على كل ذلك مساعدة كبيرة

لأن موقع المدينة يرتفع عن الضفة الأخرى بعض الأرتفاع، والطبقة الترابية فيه تكوّن قشرة قليلة الثخن تستر طبقة صخرية؛ فالأرض لا تتعرض لخطر الغرق حتى في أشد حالات الفيضان، كما تبقى مصونة من الرطوبة على الدوام. وهناك مناطق طينية واسعة تساعد على صنع اللبِن الجيد. وهنالك أتربة كلسية كثيرة تصلح لتحضير الجص القوي. . . ففي استطاعة البناءين أن يستفيدوا من هذه الوجوه المساعدة؛ فإنهم يستطيعون أن يبنوا المباني الكبيرة باللبِن دون أن يخشوا تأثير الرطوبة والمياه فيها؛ كما أنهم يستطيعون أن يضمنوا متانة تلك الأبنية باستعمال الجص مِلاطا لاحماً بين قِطع اللبن وأسوافها، وبعقد الطوق بالآجر أو بطابوقات مصنوعة من الجص. . وأخيراً يستطيعون أن يستروا رداءة مادة البناء بطلاء الجدران بالجص، كما يستطيعون أن يزخرفوا هذا الطلاء بالتلوين أو بالنقش والحفر

إن هذه الزخرفة يمكن أن تعمل خلال البناء كما يمكن أن تعمل بعد إتمامه؛ والقشرة الجصية التي تتكون عليها هذه الزخارف يمكن أن ترفع بسهولة، كما يمكن أن تعوض بقشرة جديدة تزخرف بأشكال تختلف عن الأشكال السابقة. . .

إن الزخرفة على هذه الطريقة تكون رخيصة، ولذلك تعمم بسهولة. فكل واحد من أصحاب الدور يستطيع أن يزخرف بعض غرفه بمقدار ما تسمح له موارده، كما يستطيع أن يعمم الزخرفة في الغرف الأخرى متى صلحت أحواله المالية، أو يستبدل بها غيرها متى ملّها وأراد الأبدع والأكمل منها. . .

ولهذه الأسباب كلها سيكون أمام الفنانين مجال واسع للعمل في هذا المضمار. . . إذ هناك عشرات الألوف من الدور يطلب أصحابها الزخرفة لمئات الألوف من غرفها. ومن

<<  <  ج:
ص:  >  >>