للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساحات البناء؛ فاستطاع الخليفة أن يجعل القطائع كبيرة فسيحة، والطرق عريضة طويلة. . . وسيستطيع أخلافه أن يوالوا عمله هذا، ويمددوا الشوارع ويوسعوا المدينة. . .

إن المملكة التي كان يحكمها الخليفة المعتصم كانت غنية وكثيرة الموارد جداً. فكان في استطاعته أن ينفق أموالاً طائلة لتشييد القصور والمساجد، وسائر المرافق العامة، كما يكون في استطاعة أبنائه أيضاً أن يستمروا على الإنفاق في هذه السبيل بدون حساب

إن المملكة التي تبوأ كرسيها المعتصم كانت فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف، فكان في إمكانه أن يجلب أمهر الفعلة والبنائين وأشهر المهندسين والفنانين، من جميع أقطار ملكه العظيم. وفي استطاعته أن يضع تحت تصرف هؤلاء كل ما يطلبونه من مواد الزخرفة والبناء ولو كانت مما يجب جلبها من بلاد بعيدة. . .

إن اجتماع كل هذه العوامل الفعالة بهذه الوجوه المساعدة، سيفسح أمام المهندسين والفنانين مجالاً واسعاً للعمل والإبداع، وسيتحف العاصمة الجديدة بأوسع القصور وأجملها، وأعظم المساجد وأبدعها. . .

وكان من الطبيعي ألا تقف هذه الحركة الإنشائية عند حد القصور والمساجد وحدها. . . بل تتعداها إلى الدور والشوارع والبساتين أيضاً. لأن المعتصم لم يقصد - بعمله هذا - إيجاد (مقر خلافة) و (معسكر جيش) فحسب، بل كان يقصد - فوق ذلك - إيجاد (عاصمة مملكة) بكل معنى الكلمة. إنه أراد إنشاء عاصمة جديدة، تنافس بغداد في السعة والنفوس والعمران. فكان من الحتم عليه أن يستقدم جماعات كبيرة من الناس ومن أصحاب المهن - على اختلاف أنواعهم وأصنافهم -، وأن يقطعهم الأراضي، ويجزل لهم العطايا، ويحثهم على البناء. وكان من الطبيعي أن تتولد من جراء ذلك حركة إنشائية واسعة النطاق شديدة النشاط. . .

غير أن من البديهي أن بناء الحوانيت والدور لا يمكن أن يحاكي بناء المساجد والقصور. فإذا كان في استطاعة الخلفاء وفي مكنة الأمراء أن يزودوا المعماريين والفنانين بكل ما يطلبونه من النفقات، فلم يكن في إمكان الناس أن يقتدوا بهم في هذا المضمار. . . وإذا جاز لمعماري المساجد والقصور أن يبنوا ما يبنونه بأجود المواد الإنشائية - ولو كانت كثيرة الكلفة - وأن يزينوه بأجمل المواد الزخرفية - ولو كانت باهظة الثمن - فلم يكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>