للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجربة اجتماعية جزئية؛ كما لاشك في أن التدابير التي اتخذها المعتصم في سبيل تنفيذ هذه الخطة كانت دقيقة وحازمة. ومع هذا فإنها لم تأت بالفوائد التي كان يتوخاها منها، بل أفضت إلى نتائج معاكسة للأهداف التي كان قد رمى إليها معاكسة تامة. ونستطيع أن نقول: إن المعتصم كان قد حسب حساباً لكل شيء في هذا الباب غير شيء واحد، وهو التطور الذي يحدث في نفسية الجيش - بطبيعة الحال - عندما يتكون أفراده وقواده من الغرباء، ولو كانوا في الأصل من الأرقاء. . .

أراد المعتصم - بخطته هذه - أن يتخلص من مشاغبات الأهالي، غير أنه لم يدرك أن هذه الخطة ستؤدي - عاجلاً أو آجلاً - إلى جعل الخلافة ألعوبة في أيدي الجنود الغرباء وقوادهم الطامعين

وهذا ما حدث فعلاً: فقبل أن تمضي عشرون سنة على وفاة الخليفة المعتصم الذي وضع هذه الخطة وشرع في تطبيقها، تفاقمت سيطرة القواد، ووصلت بهم الجرأة إلى قتل الخليفة المتوكل قتلاً فظيعاً، وبعد ذلك تتابعت الأحداث والاضطرابات وأفضت إلى قتل الخلفاء وخلعهم ثلاث مرات متواليات خلال عشر سنوات، إلى أن تولى الخلافة المعتمد. وبعد أن بذل بعض الجهود في سبيل توطيد دعائم ملكه في سامراء نفسها، رأى أن يقضي على هذه المحاولات كلها، فقرر أن يترك سامراء وأن يعيد كرسي الخلافة إلى بغداد بصورة نهائية

ولذلك نستطيع أن نقول إن الخطة السياسية التي وضعها المعتصم - والتجربة الاجتماعية التي قام بها تنفيذاً لهذه الخطة - انتهت بفشل تام. .

غير أن قصة هذه المدينة العجيبة، إذا انتهت من الوجهة السياسية بفشل أليم. . . فإنها تكللت - من الوجهة العمرانية - بنجاح كبير يسجله تاريخ الفن والعمران بمداد الإجلال والإكبار. . .

إن إقدام الخليفة المعتصم على تأسيس عاصمته الجديدة كان في عنفوان الخلافة العباسية وعظمتها؛ فكان من الطبيعي أن تتمثل في هذه العاصمة تلك القوة والعظمة أحسن تمثيل. . .

إن الأراضي التي اختارها المعتصم لتشييد المدينة الجديدة، كانت منبسطة واسعة، ولم يكن فيها من المباني القديمة ما يعرقل خطط المباني الجديدة، ولا من التلول والوديان ما يحدد

<<  <  ج:
ص:  >  >>