من وجهة النظر الدينية الحديثة للمعارضين في أضيق معانيها، نتجه نحو الغايات الاجتماعية للنهضة الإسلامية. لما كانت التقاليد والأوضاع الاجتماعية والقانون - في الأصل - مظاهر للنظام الدينى في الإسلام، فإن كل هذه المسائل ترتبط بالفقه الديني إلى حد أكبر مما هي عليه في حضارتنا الغربية. وعلى ذلك فأحدث التيارات الفكرية حول هذه المسائل، تفيض في جدولين مختلفين يمكن تمييزهما - ولو نظرياً على الأقل -: جدول الإصلاح، وجدول المعارضة. بيد أنه من الناحية العلمية، يصعب أحياناً أن نقرر ما إذا كان ما يتراءى لنا معارضاً، ليس حقاً مجهود خداع تجاه الإصلاح؛ وفكرة للدفاع عما يؤكده الكاتب من أنه رأى الإسلام الأصل) في الشئون الاجتماعية.
وكثيراً ما يوصف الإسلام بأنه دين عام شامل؛ ولكن جميع الأفكار الدينية التي شكلت النظرة الخيالية والعقلية في ذهن الإنسان، وقررت الأعمال الإرادية الإنسانية، تميل إلى أن تكون شاملة. فهي يجب أن تعمل على أن تسير قواعدها على مختلف نواحي النشاط الاجتماعى، لكى تسيطر على الحكومة. وعلى هذا الأساس فالدين اليهودي عام، وكذلك المسيحية. ولئن نسينا ذلك فإنما نفعل لأن المسيحية منذ فجر حياتها، كانت مضطرة إلى قبول السلطة والقانون الروماني؛ ولأنها - عند ما كان يظهر أنها على قاب قوسين أو أدنى من النصر، في كفاحها المرير مع نظام الإقطاع في العصور الوسطى - كان عليها أن تتحمل صدمات عدوين جديدين هما: الإنسانية والعلم. والعلم نفسه آخذ في الاقتراب من الانقلاب إلى فكرة التعميم، بعد أن حطم معارضة الدين، وذلك باتحاده مع الإنسانية وارتباطه بالتحرر الاقتصادي. وإذا حكمنا بطلائعها في ألمانيا والروسيا، فإن التعميم العلمي يعمل على إيقاع العالم في مأزق ضيق، شديد وصعب، بعيداً عن كل شئ، إلا ما جربه الجنس البشرى.
وبالمقارنة نجد أن التعميم (الشمول) في العقيدة الدينية طريق سهل واضح. فمهما تكن عليه السلطات الدينية من غفلة، فإنها على الأقل تعرف قيمة الفرد وشخصيته، فتكفل له قدراً