للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معقولا من الحرية. وفى الإسلام كان لهذه الحرية حد بعيد، يزيد بعداً بفقد التنظيم، وغياب القيادة، ولكنها - كما في كل النظم العامة - تحاول أن تتحكم أو تمنع انتقال (الأفكار الخطرة) وانتشارها.

وإنه لجدير بنا أن ننظر نظرة فاحصة في أثر مبدأ (الأفكار الخطرة) خطرة على من؟ على نستقبل الفرد؟ وإذا رأى الإنسان - بعد كل شئ - أن يخاطر فيما يجلب له العقوبة الأبدية في جهنم، فإن هذا هو شأنه الخاص. أم خطرة على تنقية المعتقدات وخلاص المجتمع الذي يكون في خطر السوء؟ ربما! ولكن هذا إجماع ضئيل في مجتمع ينظر إلى (الإجماع) كما ينظر إلى التنظيم الطبيعي. ولكن الاختلاف في المعتقدات قد يؤدي إلى الانقسام والقتال، وهذا هو بيت القصيد. ولقد جرى العرف على أن المجتمع لا يمكن أن يكون ثابتاً غير مزعزع، إلا إذا كانت الأخلاق شائعة فيه؛ تنشرها عقيدة دينية صارمة، ولن تصبح الأخلاق ثابتة راسخة إلا إذا كانت العقيدة الدينية في حرز حريز من المؤثرات المعادية للإيمان وخالصة منها، إذن فليست صيانة الأخلاق بأكثر أهمية من تثبيت المجتمع فحسب، بل إنها الحالة الوحيدة التي يستطيع أن يتقدم في ظلها المجتمع نحو الطريق المستقيم؛ مثلا نحو مرتبة عالية من التكامل الاجتماعي، وحياة أكثر ملاءمة للفرد.

أي أن نوع المجتمع - الذي تشيده الجماعة لنفسها - يعتمد أساساً على معتقداته مثل طبيعة الكون وغايته، ومكانة النفس الإنسانية فيه. وهذا اعتقاد طبيعي يتكرر في الكنيسة أسبوعاً بعد أسبوع. ولكن الإسلام هو الدين الوحيد الذي رمى على الدوام إلى تشييد. مجتمع على هذا المبدأ، وكانت العدة الأساسية لهذا الغرض هي القانون. و (علم القانون) - على حد تعبير أحد المفسرين المسلمين المشهورين - (هو معرفة الحقوق والواجبات التي تمكن الإنسان من أن يبصر الأحوال الصحيحة في هذه الحياة، وأن يعد نفسهُ للعالم الآخر.)

وبعكس الحال في القانون الذي ورثه العالم المسيحي عن روما، نجد القانون الإسلامي يرعى العلاقات بجميع أنواعها، مع الله ومع البشر. ويشتمل على أمور كثيرة، مثل تأدية الواجبات الدينية ومنح الصدقات (أداء الزكاة)، وكذلك النظم المنزلية والمدنية والاقتصادية والسياسية. وهو بجوهره وطبيعته وغرضه متعلق تماماً بالمثل الدينية. والواقع أن الأحكام الخلقية تعني بالحقائق الظاهرية لفعل وقع أقل من عنايتها بالعواطف والغايات. وأن أي

<<  <  ج:
ص:  >  >>