للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قانون وضعي ينبغي بوجه عام أن يهتم بالحقائق الخارجية. ولكن الروح والقواعد النهائية واحدة في كل، فكلاهما يرفض الجدل الذي يرى صحة أفعال بعينها بسبب نتائجها الاجتماعية، حتى ولو كانت نتائج مرغوباً فيها. وقد تبع ذلك أن القانون الإسلامي لم يكن معتبراً - مثل القانون الروماني والحديث - أنه الخلاصة التدريجية لتجارب الناس التاريخية. وإن أولى مظاهرة هي ترتيب الأعمال في مستويات مطلقة للخير والشر، وما تثبيت العقوبات لأحكام المستوى سوى مسألة ثانوية.

إن المستوى الصحيح للخير والشر ليس بالشيء الذي يمكن أن يتحكم فيه عقلياً. ولقد رأينا في الفصل الأول، كيف أن العقلية الإسلامية رفضت كل تلك النظريات العامة التي تخرج منها بمستويات مطلقة. وكانت الوسيلة الوحيدة التي يمكن معرفتها بها هي العلانية. إذ أن الله وحده هو الذي يعلم ما هو خير أو شر مطلق. ولذلك كان النظام القانوني في الإسلام يبدأ مع القرآن، ويتطور جنباً إلى جنب - وبنفس الطريقة - مع التنظيم النظري. إن الأمثلة الموجودة في القرآن أو التي استخرجت منه، قد اكتملت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم السائدة، وأتمها الإجماع الثابت للمجتمع. وإن المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، مذاهب قانونية، أكثر منها دينية، ثم إن الجماعات التي تعنى بالنظريات، قد شيدت نظمها على خطوط متشابهة.

ولسنا هنا في حاجة إلى أن نتعمق كثيراً في مبادئ هذه النظم القانونية وأساليبها، فإن أهم ما يعنينا، هو أن نحيط علماً بقيمة التأثير المتبادل بين القانون الإسلامي والمجتمع الإسلامي. فكل تنظيم يفترض - بادئ بدء - أن هؤلاء الأشخاص الذين يعمل لخدمتهم يرغبون في قبول سلطانه، ويفهمونه على أنه محيط بهم - حتى ولو خاطروا من حين إلى آخر - وتعدوا حدوده. إذن فقبول القانون الإسلامي كان مترتباً على قبول دين الإسلام. وقد دخل في دين الإسلام عدد كبير من الشعوب التي كان لكل منها تراث اجتماعي شرعي. وباتخاذها الإسلام ديناً لها، قبل أعضاء هذه المجتمعات مبدئياً سلطان القانون الإسلامي.

ومهما يكن من شئ فإن من الواضح أنه ليس من السهل القضاء على التراث الاجتماعي العتيق. وقد كان على زعماء الدين في الإسلام - في الواقع - أن يكافحوا في سبيل توسيع مدى السلطة الأصلية للفقه الإسلامي، ونشره بين هؤلاء الناس. وقد لاقوا في هذا الكفاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>