لقد أخذتني فرحة هزتني حين تصفحت بسرعة كتاب (هذي هي
الأغلال) للأستاذ عبد الله القصيمي النجدي، فرأيته يتناول بالشرح
والتأييد القضيتين اللتين يدور حولهما فكري ويكاد يقف على الدعوة
إليهما قلمي منذ ست سنوات أو تزيد، وهما قضية (الأيمان بالإنسانية)
وقضية الاعتقاد أن (الحياة صادقة) وذوو الفلسفات الذين يزورون
عليها وينادون بالحرمان من ينابيعها كاذبون، لأنني اعتقد أن اعتناق
هاتين الفكرتين أمر جدير أن يحدث انقلاباً عظيماً في نظرة الناس إلى
أنفسهم والى الحياة والى واهب الحياة، إذ هما الشيء الواحد الجديد
الذي يمكن تقديمه للبشرية جميعها الآن ويمكن اللقاء بينها في مجاله،
ويمكن به إمدادها بكثير من عوامل التأميل والإسعاد والتفاؤل.
فما إن رأيت أن الفصل الأول من (هذي هي الأغلال) عنوانه (لقد كفروا بالإنسان - الأيمان به أول) حتى قلت الحمد لله ثم الحمد لله! إذ أرى عالما من نجد - وما أدراك ما علماء نجد في محافظتهم! - يعتنق الفكرة ويدعو لها بحماس ويصدر بها كتابه.
وما إن رأيت كذلك اغلب فصول الكتاب يستعرض أقوالا معدودة في سجل الحكم والفضائل عند كثير من المسلمين وتنحى عليها بالنقض ثم تجعلها في سجل الرذائل المدمرة للحياة والدي، حتى ثنيت الشكر لله على أن ما سبق أن قلته في مقالات (الحياة صادقة) في هذه المجلة في أوائل سنة ١٩٤٢ وما بعدها قد وجد صدى مدويا. ولكن ما لبثت هزة الفرح والابتهاج أن انقلبت إلى أسى ووجوم واشمئزاز! إذ رأيت الكتاب يخلو من أدنى إشارة إلى تسجيل سبقي في هذه الدعوة، وإذ رأيت صاحبه مع ذلك يحدث ضجة مفتعلة حوله، ويصدر غلافه بهذه الجملة (سيقول مؤرخو الفكر: أنه بهذا الكتاب قد بدأت الأمم العربية تبصر طريق العقل. . .) وأنه (ثورة في فهم الدين والعقل والحياة. . .) كأن مؤرخي الفكر