وإني أعجب كيف يجرؤ كاتب أو مفكر يحترم رأي الناس ويستحي من نفسه أن يسبق التاريخ ويصدر حكمه على عمله بهذه الدرجة من الافتتان والزعم!
إن المفكر الواثق من أنه أتى بجديد حقا يضع آثاره بين يدي التاريخ في صمت ويدع له أن يحكم ولا يتعجل الحكم حتى تعلمه الأيام سواء في حياته أم بعد مماته. . والمفكر الأمين الثقة الغيور على الحق وحرية الفكر يترفع عن أن يغمط حق غيره وعن أن يطغى جهود من سبقوه بالدعاوة الجريئة لنفسه، لان هذا إن جاز في مجال الإعلان عن المتاجر والمهن فلن يجوز في رحاب الفكر والخلق
ولكن ما للمؤلف وللحديث عن الاخلاق، وهو كما روي عنه الأستاذ سيد قطب في مجلة السوادي يرى (أنه يجب أن ننفي العنصر الأخلاقي من حياتنا، فالحياة لا تعرف العناصر الخلقية ولا قيمة لها في الرقي والاستيلاء. . .).
ومما زاد أسفي أن أرى المؤلف يتجاهل حين سأله الأستاذ قطب أن يكون قد علم بسبقي إلى الفكرة. فعلى فرض أنه لم يطلع على (أومن بالإنسان) بعد ظهوره مجموعا في سنة ١٩٤٥ فهل يكون من المقبول أو المعقول أنه لم يقرأ حتى بعض مقالات (أومن بالإنسان) التي تقارب العشرين حول تلك القضية أثناء بسطها في (الرسالة) وأحيانا في الثقافة في مدى خمس سنين تقريبا، ولا يزال أبسطها للان ويتناولها بعض الكتاب بالمناقشة؟ أم هو يزعم إنه لم يقرأ (الرسالة) أيضاً طول هذه المدة!!
ولئن كان سروري بأنتشار الفكرة برغم انتحال ناشرها لها قد قعد بي ما يزيد على شهرين بعد اطلاعي مصادفة على كتاب (هذي هي الأغلال) لدى الأستاذ الجليل محب الدين الخطيب، دون أن أنبه القراء، يضاف إلى ذلك أنني كنت على ثقة من أن النقد اليقظ سيرد الأمر إلى صاحبه. . . لئن كان ذلك هو ما قعد بي عن التنبيه فأنني حين اطلعت على مقال الأستاذ سيد قطب في مجلة (السوادي) في الأسبوع الماضي ورأيته يكشف عن خبايا كبيرة في آراء القصيمي الشخصية وسلوكه السياسي نحو محطمي أمجاد الإسلام والأديان ومهدري كرامة الإنسان. . . شعرت أن الواجب يقتضي أن انبه القراء إليه.
ولعلي أجد من الوقت ما يسمح بتتبع الالتواء الذي خرج به المؤلف عن جادة الفكرة