في هذه الآونة العصيبة التي تجتاز فيها الدول الأوربية أزمة سياسية خطرة قد تؤدي إلى حرب طاحنة تقضي على ما بذلته الأمم المتمدنة من جهود في سبيل رفع المستوى الإنساني وإيصاله إلى المثل الأعلى المنشود - يجدر بنا نحن الذين تضعنا حالنا الحاضرة إزاء مشاكل دولية دقيقة، أن نلقي نظرة على أحوالنا الشخصية منها والعامة، نظرة نافذة ثاقبة نسبر بها أغوارنا، لنفحص على بينة ووضوح كل ناحية من نواحي هذه الأمة، فإن اهتدينا إلى تشخيص العلة الأساسية التي تسبب لنا أنواعاً من الآلام والأسقام، استطعنا بعد دقيق الفحص وبُعْد التأمل، إيجاد العلاج الذي يبرئنا شيئاً فشيئاً من هاتيك الآلام والأسقام
ولقد جرينا على عادة لست أدري أأنسب ما نحن فيه من قلق وفوضى إليها، أم أنسبه إلى الظروف الطارئة التي كانت الحائل بيننا وبين ما نصبو إليه جميعاً من واسع الآمال والأماني التي نبتغيها كاملة صحيحة؟
جرينا على أن نبذل في مجتمعنا الكثير من بضاعة الكلام، ونعرض على الأنظار أشكالاً مختلفة من أجناسها وألوانها ثم نهمل العناية بتحويل هذه البضاعة إلى صنوف من العمل المثمر، لنبصر بالعين ما سمعناه بالأذن، ونلمس باليد ما صورناه بالكلام
وتأصلت هذه العادة في أنفسنا بحكم ما أوليناها من شديد الرعاية والعناية، وأخذت تضغط بقوة أثرها الذي تغلغل في كل خفية من خفايا نفوسنا على بقية القوى الكامنة فينا التي في استطاعتنا إذا تعرفنا الوسائل الممهدة لسبيل إبرازها - أن نستغلها أحسن استغلال فنستعين بما تمنحنا من رغبة في العمل وصبر على الجهاد، على تذليل العثرات التي قد تعترض سبيلنا أثناء قيامنا بتحقيق أقدس الأهداف وأنبلها
فأي كلام يبشرنا بنهضة اجتماعية مباركة تضاهي النهضات الأوربية الحديثة لم نسمعه؟
وأي كلام ينبئنا فحواه بمستقبل نير وضاح يبدد سطوع شموسه ما تراكم من سحب وغيوم على سماء حياتنا فحجب رونقها وصفاءها، لم نصغ إليه؟
بل أية آمال وضاءة لألأءة لم نبصرها شذرات متفرقات في هبوب الريح بعد أن أصغينا إلى رنين ضحكاتها يتردد بين قيم الألفاظ وجميل العبارات؟