لقد سمعنا كلمة (البشرى) تتردد على الأفواه حلوة فحسبناها لفظاً مبطناً بحقيقة تحمل إلينا ما في الحياة من معاني الكمال والحق
وسمعنا كلمة (المستقبل) ترتل أناشيدها الشفاه، فحسبناها لحناً مستمداً من القلب تكمن وراءه الحيوية المبدعة الخالقة
ثم أصغينا إلى صوت الأمل تتجاوب نبراته بين السطور، فحسبناه أغنية تهدهد أنفسنا المظلمة المكدودة على نغماتها وتدعونا إلى سنة من عميق النوم ولذيذه، فلبينا ما حسبناه صواباً ورحنا في سبات عميق استغرق سنين طوالاً فقدنا خلالها الكثير من الصفات الشخصية والشعبية، فخملت حيويتنا، وبلد تفكيرنا، وانحصرت عقليتنا ضمن ذاكرة تحدها الأوهام وأشباح التقاليد البالية التي قضت عليها وبددت ظلماتها أنوار العلم والثقافة
ولما استيقظنا من نومنا، واستفقنا من سباتنا، تلفتنا يمنة ويسرة، وأدرنا رؤوسنا ناحية الغرب وناحية الشرق، فإذا بكل من هذه اللفتات تضع أنظارنا المشدوهة إزاء تطورات قومية وشعبية، وتنبه حواسنا المخدرة على انقلابات فكرية وعقلية، فمن أقاصي الشرق إلى أقاصي الغرب، تحفز نحو المجد والتقدم، كل أمة تجاهد وتستميت في سبيل التفوق وفرض السيادة على العالم سواء من الناحية العلمية أم الفكرية، أم التجارية. وقد رأينا كيف أخذت اليابان تكتسح الأسواق العالمية ببضائعها وتجارتها. وعمدت بعض الأمم إلى التمسك بنظرية تفوق جنسها على بقية الأجناس البشرية لبلوغ ما تصبو إليه من عزة وقوة وفخار. كل هذه القوى الفعالة التي مهدت لها سبيل البروز والظهور الحرب العالمية الكبرى وما ينتج عنها من التطورات والانقلابات تجري حوادثها أمام أنظارنا، فنسمع بالخيال قرقعة الأسلحة والمدافع تدوي وتنذر بالويل والتهديم، وهي مازالت آلات مفككة تحت آلات المصانع، وندرك بالعقل مبلغ الرقي الذي توصلت إليه في الغرب الآداب على تنوع بحوثها والعلوم على مختلف أنواعها، والفنون على تعدد فروعها، تلك القواعد الثلاث التي لا تقام حضارة أمة بغير أسسها، ونتعرف بالاختبار أي أثر بليغ تتركه التربية العائلية في نفوس الناشئة، وأية توجيهات مختلفة توجهها المبادئ التي تتلقاها في محيط الأسرة حين الصغر، فالناشئة التي تزدهر سنو طفولتها في وسط يدرك الحياة على حقيقتها ويتعمق في معانيها ويسبر غاياتها، هي غير تلك التي تنمو وتشب في آخر لا يدرك من الحياة إلا