سطحها، ولا يفقه من معانيها وغاياتها إلا قشورها دون لبابها
ثم نلقي نظرة إجمالية إلى تلك القوى التي تسير العالم المتمدن فنراها منهزمة مرة، منتصرة أخرى، ناهضة تارة، منحطة تارة أخرى، مجسمة في حال نهضتها وانحطاطها، وانتصارها وانهزامها، صورة الإنسان في آلامه وآماله وجبروته وعجزه، وبطشه وضعفه، وطموحه ومطامعه، صورة الإنسان الذي كلما اكتمل تكوينه العقلي والجسدي، اكتشف نقائص جديدة تخل من توازنهما فيعمد إلى مختلف الوسائل يتوسل بها لتقويتها وضبط هذا التوازن بينهما
وكثيراً ما يتعثر بالصدمات فينهزم حيناً تعود بعده نغمة الأمل تتنفس في صدره حارة تمنحه قوة أشد بأساً من كل قوة تنسيه فشله وهزيمته، فيعاود الكفاح والمناضلة من جديد، وكلما عراه ضعف يقاومه بالإرادة والطموح النفسي إلى أن يتغلب عليه
فأي شعور يعترينا يا ترى ساعة يتجسم في مخيلاتنا بعض من صور هذه القوى التي عرضتها الآن؟
بل أي إحساس نتحسسه عندما نأخذ بتقييد كل صنف من صنوف الرقي الذي أمدته الأمم كل من هذه القوى ومهدت له السبيل لتحقيق غاية من الغايات؟
لا شك أننا نتحسر وتنقبض صدورنا ألما كلما تنازعنا فكرة نهضتنا القومية الفتية وإلى جانبها النهضات القومية الأخرى التي قطعت شوطاً بعيداً في مضمار التقدم والحضارة
وثقن أيتها السيدات أنني لا أبني من تساؤلي هذا إضافة حسرة جديدة إلى ما نشعر به من حسرات تتمشى بين جنباتنا كلما شاعت في نفوسنا مرارة هذا التساؤل
وإني ما تساءلته قط إلا ليقيني بأنه يدور في خلد كل منا، وإننا جميعاً مذ أخذت أنفاس اليقظة تنفح على وجوهنا نفحات الجد والتوثب، لا نفتأ نولي أنظارنا ناحية الغرب نتبع حركاته وخطواته ونرقب تطوراته، نستعين بما يسن من قوانين ودساتير على تنظيم هيئاتنا الحكومية والإدارية، ثم نقبس عن مدنيته قبسات تجعل حياتنا شبيهة بالحياة الغربية من بعض نواحيها
ولِمَ لا نتساءل، وبالتساؤل نتعرف مدى شعورنا ومبلغ قوته وغزارته؟
ولم لا نتساءل وبالتساؤل نزداد إحساساً بنقائصنا؛ وكلما ازددنا إحساساً بها ازددنا رغبة في التبرؤ منها؛ وليس الشعور بها شعوراً دقيقاً صحيحاً إلا بشيراً بزوالها